أسلم بطلت في ترك من ارتد؛ لأن أحكام الإسلام عليها جارية.
والصحيح عندي من إطلاق هذين القولين أنها تبطل في ترك من ارتد من النساء ولا تبطل في ترك من ارتد من الرجال كما بطلت في رد من أسلم من النساء، ولم تبطل في رد من أسلم من الرجال؛ لأن النساء ذوات فروج يحرم على الكافر من المرتدة مثل ما يحرم عليه من المسلمة، ولعل اختلاف القولين محمول على ما ذكرنا من الفرق بين الفريقين.
فإن قلنا بوجوب الرد كان عليهم لتمكين منهم، وأن لا يذبوا عنهم، ولا يمكنوا منهم، وكانوا فيه على عهدهم.
والقسم الثالث: أن يكون عهد الهدنة مطلقًا لم يشترط فيه رد من ارتد إليهم، ولإقراره معهم، فإطلاقه يوجب رد من ارتد منا، ولا يوجب رد من أسلم منهم؛ لأن إطلاقه موجب لإمضاء حكم الإسلام فيه؛ لأن حكمه أعلى، فكان العقد عليه بمعنى، فيلزمهم لتمكن منهم، ولا يلزمهم تسليمهم، فإن ذبوا عنهم، ولم يمكنوا انتقض عهدهم، فصارت أحكام المرتد إليهم من هذه الأقسام ثلاثة تنقسم على أحكام ثلاثة:
أحدها: أنه يجب عليهم تسليم المرتدين.
والثاني: أنه يجب عليهم التمكين من المرتدين، ولا يجب عليهم تسليمهم.
والثالث: لا يجب عليهم تسليمهم، ولا التمكين منهم، فإن لم يجب عليهم تسليمهم، ولا التمكين منهم وجب عليهم أن يغرموا مهور من ارتد من نسائنا وقيمة من ارتد من عبيدنا وإمائتنا، ولم يجب عليهم عمن ارتد من الرجال الأحرار غرم كما لم يجب عليهم عمن أسلم من أحرارهم غرم؛ لأن رقبة الحر تضمن بغير جناية، فلو عاد المرتدون إلينا لم نرد على أهل الذمة ما أخذناه من مهور النساء، ورددنا ما أخذناه من قيمة العبيد؛ لأنهم قد صاروا لهم بدفع القيمة ملكًا، فلم يصر لنسائهم بدفع المهور أزواجًا.
وإن وجب عليهم التمكين منهم، ولم يجب عليهم تسليمهم لم يجب عيهم غرم مهر، ولا قيمة مملوك؛ لأننا أن وصلنا إليهم بالتمكين، فقد وصلنا إلى حقنا، وإن لم نصل إليهم مع التمكين فلعجزنا.
وإن وجب عليهم تسليمهم أخذوا به جبرًا إذا كان تسليمهم ممكنًا، ولا غرم إذا سلموهم، فإن فات تسليمهم بالموت أغرموا مهور النساء، وقيمة العبيد والإماء، وإن تعذر تسليمهم بالهرب، فإن كان قبل القدرة على ردهم لم يغرموا مهرًا، ولا قيمة، وإن كان بعد القدرة على ردهم غرموا مهور النساء وقيم العبيد والإماء.
فإذا تقرر هذا ووجب لنا عليهم مهور من ارتد من نسائنا، وقيمة من ارتد من عبيدنا