يضعه على أرضهم، يستوفيه كل سنة من أموالهم، فهو على ضربين:
أحدهما: أن ينعقد الصلح على أن تكون أرضهم للمسلمين، فقد صارت بهذا الصلح من دار الإسلام، وصاروا بإقرارهم فيها أهل ذمة لا يقروم إلا بجزية ولا يجزئ الخراج المأخوذ من أرضهم عن جزية رؤوسهم، لأنه أجرة، حتى يجمع عليهم بين خراج الأرض وجزية الرؤوس، فإن أسلموا سقطت عنهم جزية رؤوسهم، لو يسقط عنهم خراج أرضهم.
والثاني: أن ينعقد الصلح على أن تكون الأرض باقية على أملاكهم، والخراج المضروب عليها مأخوذًا منهم، فهذا على ضربين:
أحدهما: أن ينعقد الشرط على أمانهم منا، ولا ينعقد على ذنبا عنهم، فتكون أرضهم مع هذا الشرط من حملة دار الحرب، ويكونوا فيها أهلي عهد، ولا يكونوا أهل ذمة، ولا تؤخذ منهم جزية رؤوسهم؛ لأنهم مقيمون في دار الحرب، لا في دار الإسلام، فيقتصر على أخذ الخارج منهم قل أو كثر، ويكون الخراج كالصلح يجري عليه حكم الجزية، وليس بجزية.
فإن أسلموا أسقط الخراج عنهم، وصارت أرضهم أرض عشر. وقال أبو حنيفة: لا يسقط عنهم خراج الأرض بإسلامهم؛ لأنها قد صارت بالصلح أرض خراج، فلم يجز أن ينتقل إلي العشر؛ لنفوذ الحكم به، وهذا غير صحيح؛ لأن ما استحق بالكفر سقط بالإسلام كالجزية. واحتجاجه بنفوذ الحكم فنفوذه مقصور على مدة الكفر.
والثاني: أن ينعقد الشرط على أمانهم منا، وذبا عنهم، فقد صارت أرضهم بهذا الشرط دار الإسلام، وصاروا فيها أهل الذمة لا يقرون إلا بجزية، ويكون خراج أرضهم مع بقائها على ملكهم جزية عن رؤوسهم، فلا يلزم أن يجمع عليهم بين خراج الأرض وجزية الرؤوس.
وقال أبو حنيفة: لا تسقط جزية رؤوسهم بخراج الأرض، وأجمع عليهم بين الجزية والخراج، لأن خراج الأرض عوض عن إقرارها عليهم، والجزية عن حراسة نفوسهم، فلم يسقط أحدهما بالآخر، وهذا فاسد؛ لأنه لما جاز أن يقرهم بالجزية دون الخراج، ويكون ذلك عوضًا عنهما جاز أن يقرهم بالخراج دون الجزية، فيكون ذلك عوضًا عنها؛ لأن كل واحد منهما ينوب عنهما.
فصل:
فإذا تقرر الاقتصار على خراج الأرض كانت صحته معتبرة بشرطين:
أحدهما: أن يكون خراج كل رجل منهم لا ينقص عن جزيته، فإن نقص عنها أخذ بتمامها.