ودخل بعده في دينه قوم ثم بدلوا دينهم حتى عدلوا عن الحق فيه، وسمي من دخل في دينه اليهود، فبعث الله تعالى بعده عيسى ابن مريم بالإنجيل إلى بني إسرائيل وغيرهم، فآمن بع بعض بني إسرائيل من اليهود، وآمن به طوائف من غيرهم ثم بدلوا دينهم حتى عدلوا عن الحق فيه، وسمى من دخل في دينه النصارى، فبعث الله تعالى بعده محمدًا صلى الله عليه وسلم بالقرآن، وجعله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء المرسلين، فدعا جميع الخلق بعد ابتدائه بقريش؛ لأنهم قومه، ثم بالعرب، ثم بمن عداهم، فآمن به من هداه الله تعالى من كافة الخلق، فصارت شريعة الإسلام ناسخة لكل شريعة تقدمتها فلم يختلف مذهب الشافعي بعد نسخ جميع الشرائع المتقدمة بالإسلام أن النصرانية منسوخة بشريعة الإسلام، واختلف أصحابه في اليهودية بما إذا نسخت، على وجهين:
أحدهما: وهو الأشهر نسخت بالنصرانية، حيث بعث الله عيسى بالإنجيل.
والثاني: أنها منسوخة بالإسلام حيث بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالقرآن: فإذا تقررت هذه الجملة، فكل من كان من اليهود والنصارى من بني إسرائيل، فهم مقرون على دينهم تقبل جزيتهم، وتحل مناكحتهم، وتؤكل ذبائحهم، لعلمنا بدخولهم هذين الدينين قبل تبديلهم، فثبتت لهما حرمة الحق، فلما خرج أبناؤهم عن الحق بالتنزيل حفظ الله فيهم حرمة إسلامهم، فأقرهم على دينهم مع تبديلهم، كما قال تعالى في قصة الجدار:{وكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}[الكهف:٨٢] الآية، وحفظ الله تعالى بينهما إصلاح أبيهما، وقيل: إنه كان الأب السابع حتى أوصلهما إلى كنزهما.
وأما غير بني إسرائيل من اليهود والنصارى، فينقسمون أربعة أقسام:
أحدها: أن يكونوا قد دخلوا اليهودية والنصارى قبل تبديلهم فيكونوا كبني إسرائيل في إقرارهم بالجزية واستباحة مناكحتهم وذبائحهم؛ لدخول سلفهم في دين الحق.
والثاني: أن يكونوا قد دخلوا فيها بعد التبديل مع غير المبدلين، فهم كالداخل قبل التبديل في قبول جزيتهم، وإباحة مناكحتهم وذبائحهم؛ لأنهم دخلوا فيه من أهل الحق.
والثالث: أن يكونوا قد دخلوا فيه بعد التبديل مع المبدلين فيكونوا عن حكم عبدة الأوثان؛ لأنهم لم يدخلوا في حق؛ لأن التبديل باطل، فلا تقبل جزيتهم، ولا تستباح مناكحتهم، ولا ذبائحهم، ويقال لهم ما يقال لعبدة الأوثان: إما الإسلام أو السيف.
والرابع: أن يقع الشك فيهم: دخلوا قبل التبديل أو بعده، وخل دخلوا مع المبدلين أو مع غير المبدلين، فهؤلاء يغلب منهم حكم التحريم في الأحكام الثلاثة، فتحقن دماؤهم بالجزية تغليبًا لتحريمها، ولا تستباح مناكحتهم، ولا ذبائحهم تغليبًا لتحريمها كما فعل عمر رضي الله عنه في نصارى العرب، حين أشكل عليه أمرهم هل دخلوا في