للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال في الحاوي: وهذا صحيح، إذا عقد الإمام الهدنة مع أخل الحرب كان عقدها موجبا لأمرين.

أحدهما: للموادعة، وهي الكف عن المحاربة جهرًا، وعن الخيانة سرًا، قال الله تعالى: {وإمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال:٥٨].

والثاني: أن يشترك فيها الفريقان، فيلتزم كل واحد منهما حكمهما، ولا يختص بأحدهما، ليأمن كل واحد منهما صاحبه.

قال الله تعالى: {إلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة:٧].

فإذا ثبت بهذين الشرطين وجب الوفاء بها، ولم يجز نقضها.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:١]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أحق من وفى بذمته" فإن نقض المشركون ارتفع حكم العقد، وبطل أمانهم من المسلمين، وصاروا بنقضه حربًا قال الله تعالى: {وإن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} [التوبة:١٢].

فصل:

فإذا تقررت هذه الجملة لم يخل حالهم في نقض العهد من أحد أمرين.

إما أن يكون من جميعهم أو بعضهم.

فإن كان من جميعهم، صار جميعهم حربًا، وليس لواحد منهم أمان على نفس ولا مال، وإن نقضه، لم يخل حال الناقض من ثلاثة أقسام:

أحدها: أن يظهر منهم الرضا بنقضه في قول أو فعل، فينتقض عهدهم بالرضا كما انتقض به عهد المباشرة، ويصير جميعهم حربًا.

والثاني: أن يظهر منهم الكراهة لنقضه بقول أو فعل، فيكونوا على عهدهم، ولا ينتقض فيهم بنقض غيرهم، قال الله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} [الأعراف:١٦٥].

والثالث: أن يمسكوا عنه، فلن يظهر منهم رضا به، ولا كراهة له في قول، ولا فعل، فيكون إمساكهم نقضًا لعهدهم. قال الله تعالى: {واتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:٢٥] وكذلك كانت سنة الله تعالى في عاقر ناقة صالح باشر عقرها

<<  <  ج: ص:  >  >>