أن نقاتلهم إلا بعد إنذارهم، ولا يجوز أن يشن عليهم الغارة، ولا يهجم عليهم غرة وبياتًا، ويقول لهم: يتميز منكم ناقض العهد ممن لم ينقضه، فإن تميزوا عمل بما تقدم، وإن لم يتميزوا نظر: فإن كان المقيمون على العهد أكثر أو أظهر لم ينذروا بالقتال، وقيل لهم: ميزوا عنكم ناقضوا العهد منكم، إما بتسليمهم إلينا، وإما بإبعادهم عنكم.
فإذا فعلوه، فقد تميزوا به، وخرجوا من نقض العهد، وإن لم يفعلوا واحدًا منهما، وأقاموا على اختلاطهم بهم بعد المراسلة بالتميز عنهم صاروا مماثلين لهم، فصار ذلك حينئذٍ نقضًا منهم للعهد، فجرى على جميعهم حكم النقض؛ لأن موجب العهد أن لا يمايلوا علينا عدوًا لقول الله تعالى:{إلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا}[التوبة:٤] الآية، وقد ظاهروهم بالممايلة، فانتقض عهدهم، وإن كان الناقضون للعهد أكثر وأظهر لم يجز أن يشن عليهم الغارة، ولا يقتلوا في غرة وبيات وحوربوا جهرًا، ولم يجب الكف عن قتالهم؛ لأجل من بينهم من أهل العهد؛ لأنهم كالأسراء فيهم، فإن أسروا لم يجز قتل الأسرى إلا بعد الكشف عنهم: هل هم ممن نقض العهد أو أقام عليه، فإن لم يوصل إليه إلا منهم جاز أن يقبل قولهم في أنفسهم، وكذلك في ذراريهم إن سبوا، وأموالهم إن غنمت، ولا تقبل شهادة بعضهم لبعض، فإن ادعوا من الذراري والأموال ما أنكره الغانمون نظر: فإن كان في أيديهم، فالقول فيه قولهم مع أيمانهم، وإن كان في أيدي الغانمين لم يقبل قولهم فيه إلا ببينة فشهد لهم من المسلمين، ولا يحلف الغانمون عليه؛ لنهم لا يتعينون في استحقاقه، وكان مغنومًا مع عدم البينة.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى:"متى ظهر من مهادنين ما يدل على خيانتهم نبذ إليهم عهدهم وأبلغهم مأمنهم ثم هم حرب قال الله تعالى: {وإمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً}[الأنفال:٥٨] الآية".
قال في الحاوي: اعلم أن عقد الهدنة موجب لثلاثة أمور: