الكتاب ويحكم بوجوب ما تضمنه من العبد الموصوف فيه، ويخير صاحب اليد في العبد بين أحد ثلاثة أحوال: من أن يسلمه بالصفة المشهودة بها إلى طالبه فيبرم الحكم بها، ومن أن يمضي بالعبد مع طالبه على احتياط من هرب إلى القاضي الأول فإن عينه الشهود سلمه إلى الطالب بحكم وإلا خلى سبيل العبد مع صاحب اليد، ومن أن يعدل بالطلب إلى دفع قيمة العبد الموصوف دون العبد الذي في يده فأي هذه الثلاثة فعل صاحب اليد فقد خرج به من حث الطالب، وإن امتنع من كلها وقد ثبت استحقاق العبد الموصوف فلا يجوز أن يسقط شهادة العدول وأخذه القاضي جبرًا فدفع قيمة العبد الموصوف لأنه قد صار بالاشتباه غير مقدور عليه فجرى مجرى العبد المغصوب إذا أبق لزمه دفع قيمته، ولا يلزمه تسليم العبد لما ذكرنا من الاشتباه ولا يجبر على السفر بالعبد إلى القاضي الأول لأنه لا إجبار عليه في السفر بماله، ولا على المحاكمة إلى قاضي بلده والله أعلم بصوابه.
وقال بعض أصحابنا بخراسان في المنقول: هل يقبل كتاب القاضي إلى القاضي؟ فيه ثلاثة أقوال أحدهما: لا يقبل، والثاني: ينتزع من يده ويختم في عنقه إن كان عبدًا وفي الجارية: وجهان: هل ينفذها إلى الكاتب أم لا؟ والثالث: منتزع من يده ويدفع إليه قيمته على ما ذكرنا، وقد الشافعي القول الثالث ومال إلى الثالث وفي هذا نظر والاعتماد على ما سبق.
وأما القسم الرابع: وهو أن يحكم الحاكم لحاضر على غائب بحق حاضر فهذا يكون في الأعيان المستحقة بالشهادة فلا يقف الحكم فيها على مكاتبة قاضٍ آخر وينفرد بالحكم فيها بعد سماع البينة إن كان ممن يرى القضاء على الغائب وسواء كانت العين منقولة أو لا.
فإن سأله المحكوم له أن يكتب له كتابًا باستحقاق الملك الحاضر إلى قاضي البلد الذي فيه المحكوم عليه، فإن كانت العين المحكوم بها منقولة لم نكتب بها لانبرام الحكم بها وانقطاع العلائق فيها، وإن كانت غير منقولة كالعقار أجابه إليه وكتب له به، وإن كان الحكم قد أنبرم لأنه قد يجوز أن يستحق على ذلك أجرًا يطلب بها المحكوم عليه.
ويتفرع على هذا أن رجلًا لو حضر قاضي بلد وذكر له أنني اتبعت في خلطة فلان الغائب سهمًا من دار في بلدك وعفا عن شفعته ولي بينة قد أحضرتها فيشهد عليه بالعفو فاسمعها واكتب على قاضي البلد الذي فيه الشفيع فلست آمن إن خرجت إليه أن يطالبني بالشفعة ويجحد العفو لم يسمع القاضي بينته ولم يكتب له بشيء لأن سماعها بعفو الغائب يكون بعد دعوى الغائب فلم يجز أن يسمع عليه بينة فيما لم يدعه.
وهكذا لو قال الحاضر لفلان الغائب عليّ ألف درهم وقد دفعتها إليه، وقد أبرأني منها وهذه بينتي فاسمعها فإني لا آمن إن خرجت إليه أن يجحد القبض والإبراء