إذا حقق الدعوى فالأولى أن يقول المدعي للحاكم: سله الخروج من دعواي, فإن لم يقل ذلك جاز لأن شاهد الحال يدل على أنه مطالب فيقول الحاكم للمدعى عليه: ما تقول في دعواه؟ فإن أقر لزم الخروج منها, وإن أنكر قال للمدعي: ألك بينه؟ فإن جاء ببينة سمعها وحكم بها, وإن لم تكن بينه لم يستحلف الخصم حتى يسأل استحلافه لأن ذلك حق له, فإن استحلفه قبل ذلك لا يعتد اليمين وتعاد اليمين بعد المطالبة, ثم إن طالبه بتحليفه وحلف أسقط الدعوى عن نفسه وإن نكل ردت اليمين على المدعي فيحلف ويستحق ما ادعاه.
واعلم أن في لفظ الشافعي رضي الله عنه إشكالا لأنه قال: فإذا أنفذ حجته نكلم المطلوب ومعلوم أن المدعي لا يشتغل بإقامة حجته إلا بعد جواب المطلوب, ومعناه فإذا أنفذ دعواه فسمى الدعوى التي هي سبب الحاجة إلى الحجة حجة, وقال في " الحاوي": إذا صح الإنكار فيه وجهان: أحدهما: الأولى أن يقول له القاضي قد أنكر ما ادعيته عليه فماذا تريد؟ والثاني الاختيار أن يقول: قد أنكر ما ادعيت فهل لك من بينه؟ وهذا أشبه لما روى وائل بن حجر أن رجلاً من حضرموت حاكم رجلاً ن كندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض فقال للحضرمي: ألك بينة؟ قال: لا, قال: فيمينه [١٢/ ٥٣ ب] فقال: يا رسول الله إنه فاجر ليس يبالي ما حلف عليه, وليس يتورع من شيء فقال: ليس لك منه إلا ذلك.
فرع آخر
لو قدم المطلوب الإقرار قبل استيفاء الدعوى لزمه الإقرار وسقط الإقرار وسقط جوابه عن الدعوى إذا وقعت بإقراره, وإن قدم الإنكار طولب به بعد استيفاء الدعوى لأن الإنكار إسقاط فلم يجز تقديمه بخلاف الإقرار.
فرع آخر
لو كانت دعواه في رقعة ودفعها إلى القاضي وقال: أثبت دعواي في هذه الواقعة وأنا مطالب له بما فيها فيه وجهان: أحدهما: لا يقبل القاضي حتى يذكره نطقاً أو يوكل من ينوب عنه وبه قال شريح: لأن الطلب يكون باللسان دون الخط, والثاني يجوز ولكن يجب عليه أن يقرأها على الطالب ويقول: هكذا تقول أو تدعي , فإذا قال: نعم سأل المطلوب عن الجواب ولا يجوز أن يسأله قبل قراءتها على الطالب واعترافه بما تضمنها, فإن فعل المطلوب في جواب الدعوى مثل ذلك وكتب جوابه في رقعة ورفعها إلى القاضي فقال: هذا جوابي عن الدعوى, فإن جوزنا ذلك في الطالب جوزنا هذا في المطلوب, وإن لم نجوز في الطالب لا نجوز في المطلوب.