للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشافعي: "أحب ذلك". ثم قال الشافعي: "وصلى الناس على جنائزهم"، يريد بالناس أهل الحرمين من الصحابة والتابعين صلوا على جنائزهم بعد العصر وبعد الصبح، فدل أن النهي على الخصوص، ثم قال: "وليس من هذه الأخبار شيء مختلف على ما رتبنا لا يختلف ذلك"، ثم إذ المزني رحمه الله اعترض على الشافعي رضي الله عنه في هذا الموضع، فقال: "وهذا خلاف قوله فيمن نسي ركعتي الفجر حتى صلى الظهر والوتر حتى صلى الصبح أنه لا يعيد"، وأراد به أن قول الشافعي ههنا في قضاء صلاة فرض أو جنازة، وغير ذلك خلاف ما قال في موضع: "لا يقضي ركعتي الفجر بعدما صلى الظهر ولا الوتر بعدما صلى الصبح".

ثم قال: "والذي قبل هذا أولى بقوله وأشبه عندي بأصله"، أراد ما نص عليه في هذا الباب من قضاء هذه الصلوات في هذه الأوقات، ويريد بأصله المسألة التي حكاها ههنا، وهي قوله: قال الشافعي: "من ذكر صلاة، وهو في أخرى أتمها ثم قضى"، ولم يفصل في قوله: (ثم قضى) من صلاة، [١٨٩ أ / ٢] وصلاة، فينبغي إذا ذكر ركعتي الفجر، وهو في صلاة الظهر أتم صلاة الظهر ثم قضى ركعتي الفجر، ثم بعد هذا أطنب المزني الكلام في الاعتراض حتى قال الشيخ أبو زيا المروزي رحمه الله يقول: ليته اختصر من كلام نفه كما اختصر من كلام الشافعي، فحكى عن أصحابنا عن الشافعي أنه كان يقول: "التطوع قسمان:

أحدهما: صلاته جماعة مؤكدة، ولا أجيز بتركها لمن قدر عليها"، وهي خمس صلوات على ما ذكرنا أكدت بالجماعة فيها.

وصلاة منفرد، وهو القسم الثاني، وبعضها أوكد من بعض، فأوكد ذلك الوتر ويشبه أن يكون صلاة التهجد، أي: يثب أن يكون الوتر هي صلاة التهجد التي أمر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، {وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: ٧٩]. وخرج الشافعي بهذا في "الأم".

وقال الشافعي في "جامعه الكبير": "ويشبه أن تكون هي صلاة التهجد. وقيل: صلاة التهجد غير الوتر"، وهي صلاة يصليها الرجل في الليل ورداً له، وأصل التهجد في اللسان من الأضداد، ويقال: تهجدت إذا نمت وتهجدت إذا سهرت. وقول الشافعي: "ويشبه أن تكون صلاة التهجد"، أي: ويشبه أن يكون الذي يتبع الوتر في التأكيد صلاة التهجد، ولأن الوتر يشترك فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - مخصوصاً بالتهجد لقوله تعالى: {نَافِلَةً لَكَ}، وهذا خلاف نص الشافعي، ومن قال بالأول أجاب أن قوله: {نَافِلَةً لَكَ} أي: زيادة لك وفضيلة، لأن بنوافل غيره تجبر الفرائض. وفرائضه معصومة من النقصان، فتبقى له سائر الصلوات زيادة، والمراد به الوتر، وكان واجباً

<<  <  ج: ص:  >  >>