قلنا بالقول الأخير يحلفون، ولفظ تعليله لهذا القول مشكل وهو قوله من قبل إنهم إنما يملكون إذا حلفوا بعد ثبوت الذي جعل له ملكًا إذا مات وإنما يصح هذا الكلام بتقديم وتأخير وزيادة وإيجاز، وتقديره مع الإضمار كأنه قال من قبل إنهم إذا حلفوا بعد موت الذي جعل له ملك يعني الناكل إنما يملكون إذا مات الناكل عن الواقف فمعنى الكلام أنهم يتلقون الملك عن الواقف لا عن الناكل. فإذا استقر القولان فيها إما بناء وإما أصلًا اختلف أصحابنا في موضع القولين على وجهين قال [١٢/ ١٥٥ ب] أبو إسحاق إن كان البطن الأول باقين لم يكن للبطن الثاني أن يحلفوا قولًا واحدًا فإن انقرضوا فحينئذٍ قولان، وقال ابن أبي هريرة بالعكس وهو أنه إذا انقرض البطن الأول كان للبطن الثاني أن يحلفوا قولًا واحدًا، وإن كانوا باقيين فهل يحلفون؟ فيه قولان والطريق أشبه بالصواب لأن ترتيب البطون يمنع من استحقاق الثاني مع بقاء الأول.
وإن نكل الجميع من اليمين مع شاهدهم تكون الدار بعد إحلاف بقية الورثة تركة في الظاهر فإن كان على الميت ديون يستوعبها قضيت من ثمنها وبطل الوقف، وإن لم تكن ديون وكانت وصايا أمضى من وصاياه ما احتمل الثلث، وإن لم يكن ذلك كانت ميراثًا بين كل الورثة ويملك هؤلاء الأخوة الثلاثة ميراثهم منها وتصير وقفًا بإقرارهم، فإذا انقرضوا انتقل الوقف إلى البطن الثاني بغير يمين، وكذلك من بعدهم من البطون وبقية الدار ملك مطلق لبقية الورثة، فإن مات الباقون من الورثة وعاد نصيبهم إلى الأخوة فادعوا وقف بقيتها عليهم بعد انبرام الحكم مع من تقدمهم فإن ادعوا عليهم بوقفيتها صحت الدعوى عليهم لأنهم لو اعترفوا بوقفها صار وقفًا، وإن لم يدعوا علمهم لم تصح الدعوى عليهم لأن انبرام الحكم مع تقدمهم أسقط دعواهم. ولو أراد البطن الثاني [١٢/ ١٥٦ أ] أن يحلفوا عند نكول البطن الأول فيه قولان على ما ذكرنا. ولو كانت الإخوة الثلاثة عند ادعاء الوقف ورثة الواقف ولا يشركهم غيرهم صار وقفًا بإقرارهم على ما ذكرنا، وانتقل الوقف عنهم إلى البطن الثاني وما يليه بغير يمين، فإن كان على الواقف دين يحيط بالتركة، فإن قضوه من مالهم خلص الوقف، وإن لم يقضوه فلابد من البينة، ونظر فإن كان الوقف في المرض في المرض بطل لأنه وصيته تبطل باستقرار الديون وإن كان في الصحة سمعت بينتهم، وثبت بالشاهد واليمين، وإن عدمت البينة حلف أرباب الديون وصرف في ديونهم، فإن نكلوا ردت على الورثة، فإن حلفوا ثبت الوقف، وإن نكلوا صرف في أرباب الديون.
وأما تصوير المسألة على الوجه الثاني فإن صدقهم وارث الأجنبي فالدار وقف عليهم كما ادعوا وتنتقل عنه إلى البطن الثاني بلا يمين، فإن أكذبهم الوارث وأقاموا شاهدًا حلفوا معه والحكم كما ذكرنا في الصورة الأولى إلا في حكم واحد وهو أنهم إذا نكلوا عن اليمين مع شاهدهم صار جميعها ملكًا مطلقًا للوارث، ولو كانت من أبيهم بقدر مواريث منها وقف عليهم بإقرارهم.