قال في الحاوي: أما تغليظ الأيمان في القسامة بالعدد لضعف السبب الموجب لها وهو اللوث فقويت الدعوى لضعف سببها بتغليظ الأيمان فيها.
وأما تقدير الأيمان فيها بخمسين يمينًا فلسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الواردة بها، وقوله للأنصار: "تحلفون خمسين يمينًا وتستحقون دم صاحبكم! قالوا: لا. قال: فيبرئكم يهود بخمسين يمينًا".
وإذا تغلظت بهذا العدد لم يقسم بها من أهل المقتول إلا الورثة منهم، لأن اليمين موضوعة لاستحقاق الدية فلم يحلف بها إلا مستحقها، وهم الورثة، وورثة الدية، هم ورثة الأموال من العصبات وذوي الفروض من الرجال، والنساء، والأزواج، والزوجات، وقد خلف بعض الفقهاء في ورثة الدية خلافًا ذكرناه في كتاب الفرائض.
ولا فرق عند الشافعي وأكثر الفقهاء، بين ميراث الدية وميراث المال وإن كل من ورث المال ورثة الدية والقود وإذا كان كذلك لم يخل حال الوارث من أن يكون واحدًا، أو عددًا، فإن كان واحدًا، حلف خمسين يمينًا وإن كانوا عددًا ففيما يقسم به كل واحد منهم قولان ذكرناهما من قبل.
أحدهما: يقسم كل واحد خمسين يمينًا، لأن العدد في القسامة كاليمين الواحدة في غير القسامة فلما تساووا في غير القسامة وجب أن يتساووا في القسامة، فعلى هذا يحلف كل واحد من ذكورهم وإناثهم، ومن قل سهمه وكثر خمسين يمينًا.
والثاني: وهو الأصح - إن الأيمان تقسط بينهم على قدر مواريثم بجبر كسرها ليحلف جميعهم خمسين يمينًا، لأن أيمانهم في القسامة حجة لهم، كالبينة فجاز أن يشتركوا فيها، كاشتراكهم في البينة، فعلى هذا إن لم تكن فرائض الورثة عائلة قسمت على فرائضهم، فإن كانوا بنين وبنتًا، حلف كل واحد من الابنين عشرين يمينًا، وحلفت البنت عشرة أيمان، وعلى قياس هذا فيما اختلف فرائضهم فيه فإن كانت فريضة مواريثهم عائلة كزوج، وأم، وأختين لأب وأم، وأختين لأم - فللزوج النصف، وللأم السدس - والأختين من الأب والأم الثلثان، ولأختين من الأم الثلث، أصلها من ستة وتعول بثلثيها إلى عشرة.
فقد اختلف أصحابنا في قسمة أيمان القسامة بينهم على أصل الفريضة أو على عولها على وجهين:
أحدهما: أن تقسم بينهم على أصل الفريضة من ستة أسهم فيحلف الزوج نصف الخمسين - وهو خمسة وعشرون يمينًا لأن فرضه النصف، وتحلف الأم سدس الخمسين وهو تسعة أيمان بعد جبر الكسر، لأن فرضها السدس، وتحلف كل واحدة من الأختين للأب والأم ثلث الخمسين، وهو سبعة عشر يمينًا بعد جبر الكسر لأن فرضها الثلث وتحلف كل واحدة من الأختين لأم، سدس الخمسين وهو تسعة أيمان بعد جبر الكسر