للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال في الحاوي: قد مضى الكلام في شروط القسامة:

فأما دعوى الدماء في غير القسامة فمعتبرة بشرطين:

أحدهما: أن تكون على معين، فإن لم يعين القاتل وادعى قتله على قوم من أهل المحلة لم يسمع.

والثاني: أن تعين على عدد يمكن اشتراكهم في القتل فإن عين على عدد لا يمكن اشتراكهم لم يسمع فإذا عينها على من يمكن اشتراكهم فيه حلفوا وبرئوا.

وقال أبو حنيفة لا اعتبار بهذه الشروط، ويجوز أن يدعي قتله على غير معينين وعلى من لا يمكن اشتراكهم فيه فإذا ادعى قتله على قوم من أهل محلة أو قرية اختار منهم خمسين رجلًا وأحلفهم، فإذا حلفوا أوجب الدية على عواقلهم، فخالف أصول الشرع في خمسة أحكام:

أحدها: سماع الدعوى على غير معين.

والثاني: سماعها على من لا يصح منهم الاشتراك فيه.

والثالث: أن جعل للمدعي اختيار خمسين ممن شاء منهم، وإن علم أنهم غير قتلة.

والرابع: إحلافهم وإن علم صدقهم.

والخامس: إلزامهم الدية بعد أيمانهم وكفى بمخالفة الأصول فيها دفعًا لقوله. وقد ذكرنا من الدليل على فساد كل أصل منها ما أقنع.

فصل:

فإذا ثبت ما ذكرنا وسمعت الدعوى على ما وصفنا، وكانت على جماعة ففي قدر ما يلزمهم من الأيمان ثلاثة أقاويل ذكرناها:

أحدها: يحلف كل واحد منهم خمسين يمينًا ولو كانوا ألفًا.

والثاني: يحلف جميعهم خمسين يمينًا تقسط على أعدادهم.

والثالث: يحلف كل واحد منهم يمينًا واحدة ولو كان واحدًا وقد مضى توجيه هذه الأقاويل فإن قيل: فإذا جعل الشافعي إمكان اشتراكهم في القتل شرط سماع الدعوى عليهم، فكيف قال: يحلفون ولو كانوا ألفًا لا يصح اشتراك الألف في قتل الواحدة، قيل: لأن العدد الذي يمكن اشتراكه في القتل يختلف حسب اختلاف القتل، فإن كان ذبحًا أو قطعًا أو بضرب العتق لم يمكن أن يشترط فيه ألف ولا مائة ولا خمسون.

وإن كان بجراح أمكن أن يشترك فيه مائة ومائتان وإن كان بالعصا أمكن أن يشترك فيه ألف فيضربه كل واحد منهم عصا، وكذلك لو رموه بالبذق أمكن أن يشترك فيه ألف فيرميه كل واحد منهم ببذقة فإن حمل كلام الشافعي على هذا كان ممكنًا وإن حمل على غيره كان مبالغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>