وبه قال عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز احتجاجًا بقوله تعالى:{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ولَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ}[النساء: ١٣٥] ولا يؤمر بالقسط في هذه الشهادة إلا وهي مقبولة ولأن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حاكم يهوديًا إلى شريح في درع ادعاه في يده فأنكرها. فشهد له ابنه الحسن عليه السلام فرد شهادته.
وقال: يا أمير المؤمنين، كيف أقبل شهادة ابنك لك؟
فقال علي عليه السلام في أي كتاب وجدت هذا؟ أو في أي سنة. وعزله ونفاه إلى قرية يقال لها بالصفا، نيفًا وعشرين يومًا، ثم أعاده إلى القضاء، ولأن الدين والعدالة يحجزان عن الشهادة بالزور والكذب.
ودليلنا قوله تعالى:{ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا}[البقرة: ٢٨٢] والريبة متوجهة إلى شهادة بعضهم بعضًا لما جبلوا عليه من الميل والمحبة. ولذلك قال النبي صلي الله عليه وسلم:"الولد محزنة مجبنة مبخلة مجهلة". وروي عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال لعائشة رضي الله عنها:"يا عائشة فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها" فدل على أن الولد بعض أبيه.
وقد قيل في تأويل قوله تعالى:{وجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا}[الزخرف: ١٥] أي ولدًا فصارت الشهادة له كالشهادة لنفسه.
وروي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال لأبي معشر الدرامي:"أنت ومالك لأبيك" فصارت الشهادة بمال أبيه كالشهادة بمال نفسه.
وذكر الشافعي حديثًا رواه عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:"لا تقبل شهادة خائن ولا خائنة ولا محدود حدًا ولا ذي غمر على أخيه ولا مجرب في شهادة زور ولا ظنين في قرابة ولا ولاء ولا شهادة القانع لأهل البيت" ووصل بذلك "ولا شهادة الولد لوالده ولا الوالد لولده" ثم قال وهذا لا يثبته أهل النقل، فإن ثبت هذا فهو نص، وإن لم يثبت ففي قوله:"ولا ظنين في قرابة" دليل على الوالد والولد.
وروي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال:"إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه" وهو لا يجوز أن يشهد لكسبه.
ولأن ورود النص بالمنع من شهادة الظنين وهو المتهم يوجب المنع من شهادة الوالد للولد لأنه متهم.