حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في سفركم هذا في بلدكم هذا".
فكانوا أبعد الناس من العدالة وأولاهم برد الشهادة.
الثاني: من يعتقد تكفير مخالفه ولا يرى استباحة دمه، فينظر فإن تعرض بعرض برأيه لتكفير الصدر الأول من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، حكم بكفره، لرده على الله تعالى في قوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:]. ورده على رسوله في قوله: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"وقوله {صلى الله عليه وسلم}: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم"، فتسقط عدالتهم وترد شهادتهم بكفرهم.
وإن لم يتعرضوا لتكفير الصدر الأول، واعتقدوا فيهم الإيمان، وتفردوا بتكفير أهل عصرهم، فهم أهل ضلال يحكم بفسقهم دون كفرهم، فتسقط عدالتهم وترد شهادتهم بالفسق دون الكفر.
الثالث: أن يبتدع رأيًا ولا يعتقد به تكفير مخالفه، فهو على ضربين:
أحدهما: أن يرتكب فيه الهوى ولا يتمسك فيه بتأويل: فهو ضال يحكم بفسقه ورد شهادته، قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَاوَى} [النازعات: ٤٠ - ٤١]. وسنة عمر - رضي الله عنه - في صبيغ، وكان من أهل المدينة يطوف بها، ويسأل عن الشبهات، ويميل إلى المخالفة، فأمر به وضرب بالجريد، وشهر بالمدينة، ونفي عنها.
وقال الشافعي - رحمه الله - في بعض أهل الأهواء: سنتي فيه سنة عمر في صبيغ، ولأن من ارتكب الهوى ولم يتبع الدليل، فقد ضل وأضل، إذ لا يفرق بين حق وباطل، ولا بين صحيح وفاسد، ولأن الهوى أسرع إلى الباطل من الحق، لخفة الباطل وثقل الحق.
الثاني: أن يتمسك فيما ابتدعه بتأويل حكم شهادته فهو على ضربين:
أحدهما: أن يخالف به الإجماع من أحد الوجهين: إما أن يدفع ما اعتقده الإجماع، وإما أن يدفع بمعتقده الإجماع.
فإن دفع بمعتقده الإجماع، فلا يخلو أن يكون إجماع الصحابة أو إجماع غيرهم.
فإن خالف به إجماع الصحابة فهل تقبل شهادته، ضل به، وحكم بفسقه ورد شهادته لقول النبي {صلى الله عليه وسلم}: "لا تجتمع أمتي على ضلالة".
وقال {صلى الله عليه وسلم}: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوًا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار".