وأما الأول: وهو ما ضل به، فهو أن يخالف فيه إجماع الخاصة دون العامة كالإجماع على أن لا ميراث لقاتل، ولا وصية لوارث، وأن لا تنكح المرأةً على عمتها ولا على خالتها، فالمخالف فيه ضال يحكم بفسقه ورد شهادته.
وأما الثاني: وهو ما أخطأ فيه: فهو ما شذ الخلاف فيه وعدل المتأخرون عنه، كاستباحة المتعة، وبيع الدينار بالدينارين نقدًا، ومسح الرجلين في الوضوء، وقطع يد السارق من المنكب، فهذا خلاف شذ قائله، وظهر فيه خطئه، ولأنه يتردد بين منسوخ كالمتعة، وبين ما توالى فيه النقل الصحيح كالربا في النقد والنساء.
وبين ما ضعف فيه التأويل وظهر عليه الدليل كمسح الرجلين وقطع السارق من المنكب، فحكم بخطئه لظهور الدليل على فساده، ولم يبلغ به حد الضلال للشبهة المعترضة في احتماله، فيكون المخالف فيه على عدالته وقبوله شهادته.
وأما الثالث: وهو ما ساغ الخلاف فيه على عدالته وقبول شهادته، فهو مسائل الاجتهاد في العبادات، والمعاملات، والمناكح الذي لم يرد فيه حد، وكان للاختلاف فيه وجه محتمل، فلا يتباين فيه المختلفون، ولا يتنابذ فيه المتنازعون، ولكل واحد من أقاويلهم وجه، فمن قال: إن كل مجتهد مصيب جعل جميع أقاويلهم حقًا، ولم يجعل قول واحد منهم خطأ. ومن قال: إن الحق في واحد منهم، فكل واحد منهم جاز أن يكون محقًا، وإن لم يكن في جميع أقاويلهم محقًا. وهو أسهل الاختلاف في الدين وجميعهم على العدالة وقبول الشهادة.
فهذا تفصيل مذهب الشافعي رضي الله عنه في عدالة المختلفين في الأصول والفروع، أنه لم يقبل شهادة جميعهم، ولا رد شهادة جميعهم، حتى فصلناه على ما اقتضاه مذهبه، وأوجبته أصوله. فأوضحنا بها من كان مقبول الشهادة ومردودها، وخالفه فيها أبو حنيفة ومالك.
فأما أبو حنيفة، فخفف الأمر فيها، وأجاز شهادة كل من أطلق اسم الإسلام عليه، واعتبر العدالةً بالأفعال دون الاعتقاد.
وأما مالك فشدد الأمر فيها فرد شهادة جميعهم واقتصر بالعدالة على أهل الحق، وكل واحد من قوليهما مدفوع بما أوضحنا من دلائل القبول والرد. والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "واللاعب بالشطرنج والحمام بغير قمار، وإن كرهنا