الحد وقبول الشهادة كالقاذف إذا تاب قبل الحد تقبل شهادته.
والثالثة: إن شرب غير معتقد الإباحةً ولا حظر، مع علمه باختلاف أهل العلم في إباحتها وحظرها، ففي فسقه ورد شهادته بعد وجوب الحد عليه وجهان لأصحابنا:
أحدهما: وهو مذهب البصريين أنه فاسق مردود الشهادة، لأن ترك الاسترشاد في الشبهات تهاون في الدين فصار فسقًا.
والثاني: وهو مذهب البغداديين أنه على عدالته وقبول شهادته، لأن اعتقاد الإباحة أغلظ من الشرب، لأن من اعتقد إباحة الخمر كفر، ومنشربها ولم يعتقد إباحتها لم يكفر، فلما لم يفسق من اعتقد إباحة النبيذ وشربه، فأولى أن لا يفسق من شربه ولا يعتقد إباحته.
فصل:
وأما ما لا يسكر من الأنبذة والأشربة كالفقاع والقارص، فمباح لا ترد به الشهادة.
وحكي عن جعفر بن محمد وطائفة من الشيعة وربما عزي إلى أبي حنيفة أن شرب الفقاع والقارص حرام.
لما روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال: "كل مخمر خمر".
وروي أن عليًا عليه السلام مر على بائع فقاع، فقال: من خمار ما أوقحك.
وهذا تأويل انعقد الإجماع على خلافه ووردت السنة برده.
وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كنا ننبذ لرسول الله {صلى الله عليه وسلم} على غذائه، فيشربه على عشائه، ونبذ له على عشائه، فيشربه على غذائه".
وقال عمر رضي الله عنه: إنا لنأكل من هذه الأطعمة الغليظةً، ونشرب عليها من هذه الأنبذة الشديدةً، فنقطعها في أجوافنا. يعني قبل أن يسكر.
ولأن علة التحريم السكر، فما لم يسكر لم يحرم كسائر الأشربة.
والاستدلال بالخبر محمول عليه.
ولو كان الفقاع حرامًا عند علي عليه السلام لأظهر من الإنكار والمنع، ما يجب بإظهار المنكر، ولما اقتصر على هذا القول مع الإقرار عليه.
وأما ما ذكره من المنصف والخليطان، فقد اختلف في صفتها على قولين:
أحدهما: أن المنصف ما طبخ حتى ذهب نصفه، والخليطان خليط البسر بالرطب.
والثاني: أن المنصف ما ينصف من تمر وزبيب، والخليطان خليط البسر بالرطب، وإن كان هذا مسكرًا فهو حرام، وإن لم يسكر، ففي كراهته وجهان: