للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تغنيان فدخل أبو بكر، فقال: أمزمور الشيطان في بيت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم}: "دعهما فإنها أيام عيد".

وقال عمر رضي الله عنه: "الغناء زاد المسافر".

وكان لعثمان جاريتان تغنيان في الليل فإذا جاء وقت السحر قال: أمسكا فهذا وقت الاستغفار وقام إلى صلاته.

ولأنه لم يزل أهل الحجاز يترخصون فيه ويكثرون منه، وهم في عصر الصحابة وجلة الفقهاء، فلا ينكرونه عليهم ولا يمنعونهم منه إلا في إحدى حالتين:

إما في الانقطاع إليه، أو الإكثار منه، كالذي حكي أن عبد الله بن جعفر كان منقطعًا إليه، ومكثرًا منه، حتى بدد فيه أمواله، فبلغ ذلك معاوية، فقال لعمرو بن العاص: قم بنا إليه، فقد غلب هواه على شرفه ومروءته، فلما استأذنا عليه وعنده جواريه، يغنين فأمرهن بالسكوت، وأذن لهما في الدخول، فلما استقر بهما الجلوس، قال معاوية: يا عبد الله، مرهن يرجعن إلى ما كن عليه، فرجعن يغنين، فطرب معاوية حتى حرك رجليه على السرير، فقال عمرو: إن من جئت تلحاه أحسن حالًا منك، فقال معاوية: إليك عني يا عمرو، فإن الكريم طروب. وأما أن يكون في الغناء ما يكره كالذي روي عن سفيان بن عيينة، وقد عاد ابن جامع إلى مكة بأموال جمة حملها من العراق، فقال لأصحابه: علام لعطاء ابن جامع هذه الأموال؟ فقالوا: على الغناء، قال: "ابن جامع ماذا يقول فيه"؟ قالوا: يقول:

أطوف بالبيت في من يطوف وأرفع من مئزري المسبل

قال: هي السنة، ثم ماذا يقول؟ قالوا:

وأسجد بالليل حتى الصباح وأتلو من المحكم المنزل

قال: أحسن وأصلح، ثم ماذا؟ قالوا:

عسى فارج الهم عن يوسف يسخر لي ربة المحمل

قال: أفسد الخبيث ما أصلح لا سخر الله له.

واستدل من حظره بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: ٧٢]. وفيه أربعة تأويلات: أحدها: الغناء، قاله مجاهد.

والثاني: أعياد أهل الذمة، قاله ابن سيرين.

والثالث: الكذب، قاله ابن جريج.

والرابع: الشرك، قاله الضحاك رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>