وإذا تقابل بما ذكرنا، دلائل الحظر والإباحةً، يخرج منها حكم الكراهة. فلم يحكم بإباحته، لما قابله من دلائل الحظر والإباحة، ولم نحكم بحظره لما قابله من دلائل الإباحة فصار يتردده بينهما مكروها غير مباح ولا محظور.
وروي أن رجلًا سأل ابن عباس عن الغناء: أحلال هو؟ قال: لا، قال: أحرام هو؟ قال: لا، يريد أنه مكروه لتوسطه بين الحلال والحرام. والله أعلم.
فصل:
وأما الملاهي فعلى ثلاثة أضرب: حرام، ومكروه، وحلال.
فأما الحرام من الملاهي: فالعود، والطنبور، والمعزفة، والطبل، والمزمار، وما ألهى بصوت مطرب إذا انفرد.
وروى عبد الله بن عمر، أن النبي {صلى الله عليه وسلم}، قال: "إن الله حرم على أمتي الخمر، والميسر، والمزر، والكوبة، والمزامير، والقنين".
فالميسر: القمار، والمزر: نبيذ الذرة، والكوبةً: الطبل، والقنين: البربط، ولأنها تلهي عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة كالشراب.
وكان بعض أصحابنا يخص العود من بينها ولا يحرمه، لأنه موضوع على حركات نفسانية تنفي الهم، وتقوي الهمة وتزيد في النشاط.
وهذا لا وجه له، لأنه أكثر الملاهي طربًا، وأشغلها عن ذكر الله تعالى وعن الصلاةً، وإن تميز به الأماثل عن الأراذل.
وأما المكروه من الملاهي: فما زاد به الغناء طربًا، ولم يكن بانفراده مطربًا، كالفسح، والقضيب، فيكره مع الغناء لزيادة إطرابه، ولا يكره إذا انفرد لعدم إطرابه.
وأما المباح من الملاهي: فما خرج عن آلة الإطراب، إما إلى إنذار كالبوق، وطبل الحرب. أو لمجمع وإعلان كالدف في النكاح، كما قال صلوات الله عليه وسلامه: " أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالدف".
واختلف أصحابنا هل ضرب الدف على النكاح عام في كل البلدان والأزمان؟ فعم بعضهم لإطلاقه، وخص بعضهم في البلدان التي لا يتناكر أهلها في المناكح، كالقرى والبوادي، ويكره في غيرها، في مثل زماننا، لأنه قد عدل به إلى السخف والسفاهة.
فأما الشبابة: فهي في الأمصار مكروهةً، لأنها مستعملةً فيها للسخف والسفاهة، وهي في الأسفار والرعاة مباحةً، لأنها تحث على السير وتجمع البهائم إذا سرحت.
فصل:
فإذا تقرر أحكام الأغاني والملاهي، فإن قيل بتحريمها فهي من الصغائر دون