لأن أصحابه كانوا مقهورين متفرقين يصلون في بيوتهم فلما هاجر إلى المدينة أقام الجماعة. والجماعة واجبة في صلاة الجمعة على الأعيان بلا خلاف، لأنها لا تصح إلا بالجماعة. وأما فيما عداها من صلاة الفرض اختلف أصحابنا فيه، فقال أكثر أصحابنا: هي من فرائض الكفايات كرد السلام ودفن الموتى، ويجوز ذلك نص عليه الشافعي في كتاب "الإمامة". [٢٠٣ ب / ٢]
وقد قال ههنا: لا أرخص في تركها من غير عذر، وهو الصحيح، والدليل عليه ما روى أبو الدرداء رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال:"ما من ثلائة في قريةٍ أو بلدةٍ". وروي:"أو في باديةٍ"، وفيه نظر. وروي:"في قرية ولا بدوٍ". "وهذا أصح لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإن الذئب يأكل القاصية".
ومن أصحابنا من قال:"هي سنة مؤكدة"، والأولى أن لا يخل بهاء ويحافظ عليها، فإن أخل بها ترك فضلا كثيراً وأجزأه. وبه قال الثوري ومالك وأبو حنيفة والأوزاعي. وحكي عن الأوزاعي وأحمد وأبي ثور وداود وابن المنذر ومحمد بن إسحق وابن خزيمة:"هي واجبة على الأعيان، فمن تركها من غير عذر فقد عصى". قالوا: ولكن لا يشترط في جوازها حتى لو صلى منفرداً يجوز، وإن عصى.
وروي إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد". وروي انه - صلى الله عليه وسلم - قال:"من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر أو مطر". ورواه ابن عباس رضي الله عنه، ولم يقل:"أو مطر". وروي أن ابن أم مكتوم قال: يا رسول الله إني رجل ضرير شاسع الدار وعلى طريقي نخل ولا قائد لي، وروي: لي قائد لا يلازمني. هكذا روي، والصواب: لا يلامني، أي: لا يوافقني فهل تجد لي رخصة؟ فقال:"أتسمع النداء"، قال: نعم، فقال:"لا أجد لك رخصة".
وروي أنه قير قال: "لقد هممت أن آمر فتياني من قريش ليجمعوا حطباً، ثم آمر رجلا ينادي بالصلاة، ثم أحرق على أقوام بيوتهم يسمعون النداء ولا يحضرون، وإن