الشافعي: يخرجان هذا قولاً ثانياً للشافعي. فخالفهما من أصحاب الشافعي أكثرهم ووافقهما أقلهم، وجعلوه تخريجاً من مقتضى نص وليس بتخريج من نص وهو أن الشافعي يقول: إذا حلف أحد الابنين في القسامة فاستحق بأيمانه نصف الدية وكان على المقتول دين، قضى جميعه من حصة الابن الحالف، كذلك في هذه المسألة، فخرجوها لأجل ذلك على قولين:
واختلف من أنكر تخريج هذا القول في ما قاله في القسامة على وجهين:
أحدهما: أنه محمول على أن الذي استحقه أحد الابنين بأيمانه، كان جميع التركة، فأخذ جميع الدين منه، ولو ترك الميت غيره ما لزمه من الدين إلا نصفه.
والثاني: أنه محمول على أن أخاه معترف بالدين، فاستحق باعترافهما جميع الدين، وعجل قضاؤه من الذمة لتأخير غيره ليرجع على أخيه بقدر حقه، ولو كان الأخ منكراً لم يؤخذ من المقر إلا قدر حقه.
واستدل أبو حنيفة ومن وافقه على وجوب الدين كله على المقر بقوله تعالى: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ}
فجعل للوارث ما فضل عن الدين والوصية، فوجب أن لا يرث إلا بعد قضاء جمعيه؛ لأن صاحب الدين مقدم وليس بمشارك.
ولأن ما يأخذه المنكر من التركة كالمغصوب في حق الدين، وغصب بعض التركة موجب لقضاء الدين من باقيها، فلزم أخذ جميعه منه.
والدليل على أن على المقر منهما نصف الدين دون جميعه، هو أن الدين مستحق في جميع التركة غير معين في بعضها، وليس مع المقر إلا نصفها، فلم يلزمه من الدين إلا نصفه كالمقرين.
ولو أنه لو لزم المقر جميع الدين، لم تقبل شهادته على أخيه، لأنه يدفع بها عن نفسه تحمل جميع الدين وفي موافقة أبي حنيفة على قبول شهادته، وإن خالفه الحسن بن زياد اللؤلؤي في قبولها، دليل على أن لا يلزمه في الدين إلا قدر حقه لتسلم شهادته عن جر نفع ودفع ضرر.
ولأن أحد الابنين لو ادعى ديناً لأبيه على منكر، فرد اليمين عليه وحلف، لم يستحق من الدين إلا نصفه، وكذلك إذا أقر بدين على أبيه لم يلزمه إلا نصفه، لأن ما للأب من الدين في مقابلة ما عليه من الدين.
والأصح من إطلاقها عندي، أن ينظر في التركة. فإن لم يقتسم لها الابنان حتى أقر أحدهما بالدين، قضى جميعه منها، فكان محسوباً من حق المقر دون المنكر.
وإن اقتسم الابنان التركة. ثم أقر أحدهما بالدين، لم يلزمه منه إلا نصفه؛ لأن المقر معترف باستحقاق جميع الدين في جميع التركة.
فصار قبل القسمة مقراً بجمعه وبعد أخذ النصف بالقسمة مقراً بنصفه والله أعلم.