أنوعه إذا فسق بكل واحد منهما، وقد يعلم الشهود ما لا يعلمه المدعي.
فأما الشهادة بالتعديل فلا تحتاج إلى تفسير، وإن كان التفسيق محتاجًا إلى تفسير، لما قدمناه على الصحيح من المذهب، للفرق بينهما من وجهين:
أحدهما: أن العدالة موافقة أصل فاستغنى عن تفسير، والتفسيق مخالف للظاهر فاحتاج غلى تفسير.
والثاني: أن العدالة أصل، والفسق حادث، والحادث يحتاج إلى تفسير. والمعدوم لا يحتاج إلى تفسير. كمن قال: هذا الماء طاهر، لم يستفسر عن طهارته، ولو قال: هو نجس، لتفسر عن نجاسته، والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولو ادعى على رجٍل من أهل الجهالة بحد لم أر بأسًا أن يعرض له بأن يقول لعله لم يسرق".
قال في الحاوي: الحقوق ضربان:
أحدهما: ما كان من حقوق الآدميين، فلا يجوز للحاكم أن يعرض للمقر بالإنكار، ولا يعرض للشهود بالتوقف، سواء كان الحق في مال أو حد، لأن حقوق الآدميين موضوعة على الحفظ والاحتياط، ولأن المقر بما لو أنكرها لم يقبل إنكاره.
والثاني: ما كان من حقوق الله تعالى المحضة، كالحد في الزنا والقطع في السرقة. والجلد في الخمر، فلا يخلو حال المدعى عليه من أمرين:
أحدهما: أن يكون عالمًا بوجوب الحد عليه إن أقر فيمسك الحاكم عن التعريض له بالإنكار، حتى يبتدئ فيقر أو ينكر، لأن التعريض لا يزيده إلا علمًا بوجوب الحد إن أقر وسقوطه إن أنكر.
والثاني: أن يكون من أهل الجهالة بوجوب الحد، إما لأنه أسلم قريبًا، أو لأنه من أهل بادية نائية من جفاة الأعراب فيجوز للحاكم أن يعرض للمدعي عليه بالإنكار من غير تصريح، فإن كان في الزنا قال له: لعلك قبلت، أو لمست كما عرض النبي صلي الله عليه وسلم لماعز حين أقر بالزنا فقال: لعلك قبلت لعلك لمست". وغن كان في حد السرقة قال: لعلك سرقت من غير حرز.
فإن عرض له بأن قال: لعلك لم تسرق، وكانت الدعوى من صاحب المال، لم يجز أن يعرض له بهذا، لأن في تعريضه به إسقاطًا لحقه، وإن كانت من غير صاحب المال، جاز أن يعرض له به.
وروي أن النبي صلي الله عليه وسلم أتى بسارق فقال له: "أسرقت أم لا". وإن كان في شرب الخمر