قال في الحاوي: وهذا صحيح إذا شهد عدلان بحق ثم فسقا قبل الحكم بشهادتهما ردت الشهادة ولم يحكم بها، وهذا هو قول جمهور الفقهاء. وحكي عن أبي ثور والمزني أنهما قالا: يحكم بشهادتهما ولا ترد اعتبارًا بحال الأداء.
وهذا خطأ لقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: ٦ [.
فاقتضى الظاهر أن تعتبر العدالة عند الأداء وعند الحاكم. ولأن عدالة الباطن مظنونة، فإذا ظهر الفسق دفع ما ظن بباطنه من العدالة، ودل على تقدمه وقت الشهادة، ولاسيما ويتحفظ الإنسان بعد شهادته أكثر من تحفظه قبلها.
ولأن من لطف الله تعالى بعباده أن لا يهتكهم بأول الذنب، ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إن الله أكرم من أن يهتك عبده بأول خطيئة، فإذا أظهرها دلت على تقدمها عليه.
ولأن ظهورها يوجب الاسترابة بما تقدمها وظهور الريبة في الشهادة يمنع من قبولها.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "وإن حكم بها وهو عدل ثم تغيرت حاله بعد الحكم لم نرده لأني إنما أنظر يوم يقطع الحاكم بشهادته".
قال في الحاوي: وحدوث فسقهما بعد نفوذ الحكم بشهادتهما على ضربين:
أحدهما: أن يحدث الفسق بعد استيفاء الحق، فلا يجوز نقض الحكم بشهادتهما سواء كان في حقوق الله تعالى أو الآدميين، وبخلاف حدوث الفسق قبل الحكم، لوقوع الفرق بينهما من وجهين:
أحدهما: أن الشك والاحتمال موجود في الحالين، فلما لم يجز أن يثبت الحكم بالشك، لم يجز أن ينقض حكمه بالشك والاحتمال، فيكون المعنى الذي منع من الحكم بشهادتهما المانع من نقض الحكم النافذ بشهادتهما.
والثاني: أن تخبر الحال قبل نفوذ الحكم مخالف لتغيرها بعد نفوذ الحكم، لأن الحاكم إذا اجتهد رأيه في الحكم فأداه اجتهاده إلى حكم ثم بان أن الحق في غيره، نقضه قبل نفوذ حكمه، فأوجب هذا الفرق في تغير الاجتهاد قبل نفوذ الحكم وبعده. وقوع الفرق في الفسق بحدوثه قبل نفوذ الحكم وبعده.
فهذا حكم أحد الضربين في حدوث الفسق بعد استيفاء الحق أنه معمول على عموم