سالمًا إن احتمله الثلث، وإلا فأعتقوا منه قدر ما احتمله، وأعتقوا غانمًا إن احتملوا الثلث، وإلا فأعتقوا منه قدر ما يخرج منه، فإذا كانت قيمة كل واحد منهما سواء صار كأنه قد وصى بعتق النصف من كل واحد منهما، فما هنا يعتق من كل واحد منهما نصفه ولا يقرع بينهما لأن من أوصى بعتق النصف من كل واحد من عبدين عتق من كل واحد منهما نصفه ولم يكمل العتق في أحدهما بالقرعة كذلك ها هنا.
فإن أراد المزني القرعة بينهما في هذا الموضع كان خطأ منه لما بيناه، والجواب عنه متفق عليه.
والثاني: أن تكون الوصية بعتقها مطلقة، ليس فيها ما يدل على تبعيض العتق في كل واحد منهما فيكون كالموصى بعتقهما معًا، والثلث لا يحتملها لأنه لا فرق في الوصية بعتقهما بين الجمع والتفريق، فوجب أن يقرع بينهما ليكمل العتق في أحدهما كما أقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ستة أعبد أعتقوا في المرض فأعتق منهم اثنين وأرق أربعة، لأنه لا يجوز أن يعتقا معًا مع زيادتهما على الثلث الذي منع الشرع منه إلا بإجازة الورثة، ولا يجوز أن يقصد عتق أحدهما من غير قرعة لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر، ولا يجوز تبعيض العتق فيهما، لأن المقصود من العتق تكميل المنافع بالحرية، ولذلك إذا أعتق شركًا له في عبد، قوم عليه باقية لتكميل منافعه بعتق جميعه. فلم تبق امتناع هذه الوجوه إلا دخول القرعة بينهما، لتكميل العتق فيمن قرع منهما. فإن استوت قيمة العبدين وكان قيمة كل واحد منهما ثلث التركة فأيهما قرع عتق جميعه ورق الآخر، وإن اختلفت قيمة العبدين فكانت قيمة ثلث التركة وقيمة الآخر سدسها، فإن قرع من قيمته الثلث عتق جميعه ورق من قيمته السدس عتق جميعه ونصف الآخر ورق باقية.
وإن أراد المزني الإقراع بينهما في هذا الموضع فقد أصاب في الجواب، وأخطأ في العبارة، لأنه مذهب الشافعي وليس بمقيس على مذهب، فكان الأصح في عبارته أن يقول: هذا مقتضى قوله، ولا يقول: هذا قياس قوله: "وإن كان الخطأ في العبارة مع الصواب في المعنى مغفورًا"، فإنما أراد الشافعي بقوله:[عتق] من كل واحد منهما نصفه، يعني في الحكم، ويكمل في أحدهما بالقرعة، تعويلًا على ما أبانه من مذهب في غير هذا الموضع. وهذا الجواب متفق عليه إذا ثبتت عدالة الوارثين وعدالة الأجنبيين، فإن ثبتت عدالة الوارثين وفسق الأجنبيين بطلت الوصية بعتق من شهد بها الأجنبيان، ورق جميعه. وصحت بعتق من شهد بها الوارثان وعتق جميعه. وإن ثبتت عدالة الأجنبيين وفسق الوارثين، بطلت الوصية بعتق من شهد له الوارثان ورق جميعه، وصحت بعتق من شهد له أجنبيان وعتق جميعه ولا يلزمها بالإقرار بعد رد الشهادة أن يعتق من شهدا له بالوصية، لأنه لا ينفذ العتق بالوصية حتى يعتق بعد الوصية، وليس يلزم أن يعتق بالوصية إلا من احتمله الثلث، وقد استوعب الثلث يعتق من شهد له الأجنبيان فبطلت في غيره وإن أقر بها الوارثان.