ذكر الشافعي الشعور التي يجب إيصال الماء إلى ما تحتها في الوجه، وهي خمسة: العنفقة، والحاجبان، والشاربان، والعذاران، وأهداب العينين؛ لأن الشعر فيهما خفيف لا مشقة في إيصال الماء إلى ما تحتها، وفي الشارب أمر الشرع بتخفيفه. قال القفال في
العنفقة: إن كانت [٥٩ ب/ ١] منفصلة عن اللحية فهي كالحاجب والشارب، وإن كانت متصلة بها كثيفة ففيه وجهان؛ أصحهما أن حكمها حكم اللحية الكثيفة يغسل ظاهرها. والثاني: يلزمه غسل ما تحتها. قال: وبناء الوجهين على اختلاف المعنى في الحاجب والشارب.
فإن قلنا: العلة هناك أن المغسول من الوجه محيط به، وإليه أشار في "الأم" لا يوجد هاهنا. وإن قلنا: العلة هناك أن الغالب أنه لا يكثر يوجد هاهنا، وما تقدم أصح.
فرع
قال في "حرملة": لو نبتت للمرأة لحية وجب عليها إيصال الماء إلى البشرة التي تحتها وإن كانت كثيفة؛ لأنها نادرة فأشبه شعر الذراعين إذا كان كثيفًا.
مسألة: قال: "ثُمَّ يَغْسِلُ ذِرَاعَهُ اليُمْنَى إلى المِرْفَقِ".
وهذا كما قال. أراد بالذراع اليد من رؤوس الأصابع إلى المرفق، وهو مفصل الساعد والعضد، وغسل اليدين فرض على هذا الوجه، ويدخل المرفقين في فرض الغسل، ويستحب أن يزيد حتى يغسل العضد. وقال زفر، وأبو بكر بن داود: لا يجب غسل المرفقين؛ لأن الحد لا يدخل في المحدود، كقوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ}[البقرة: ١٨٧]، وهذا غلط؛ لأن اسم اليد إذا أطلق يقتضي اليد إلى الإبط؛ لأن الله تعالى لما أطلق اليد في التيمم مسحت الصحابة أيديهم إلى الإباط لكن الله تعالى استثنى ما عدا المرفقين:" إلَى المَرَافِقِ "[المائدة:٦] أي مع المرافق، كقوله تعالى:{مَنْ أَنصَارِي إلَى اللَّهِ}[آل عمران: ٥٢] أي مع الله [١٦٠ أ/ ١]، وقوله تعالى:{ولا تَاكُلُوا أَمْوَالَهُمْ}[النساء:٢]، أي: مع أموالكم. وقوله تعالى:{ويَزِدْكُمْ قُوَّةً إلَى قُوَّتِكُمْ}[هود: ٥٢]، أي: مع قوتكم. وحكي أبو إسحاق المروزي عن المبرد أنه قال: إذا كان الحد من جنس المحدود دخل فيه، كما قال: يغسل هذا الثوب من هذا الطرف إلى هذا الطرف.
وقد روى جابر - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله كان إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه. وهذا من فعله خرج مخرج البيان لمجمل الأمر.
وإذا بدأ باليمنى وقدمها على اليسرى استحبابًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأتم