قال في "الأم": يكره للرجل أن يؤم قوماً وهم له كارهون، فإن فعل لم تبطل صلاته، ولم يكن مكروهاً للمأموم لأن إمامه لا يكره أن يصلي الناس خلفه وإن كرهه بعضهم دون بعض نظرنا إلى الغالب، فإن كان الأكثر يكرهون كرهنا وإن كان الأكثر لا يكرهون [٦ أ/٣] نكره؛ لأنه لا يخلو في العادة عن أن يكون فيهم من يكرهه، والأصل في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبل الله صلاة من يؤم قوماً وهم له كارهون، ولا صلاة امرأة وزوجها غائب عنها، ولا صلاة عبد آبق من سيده حتى يرجع"، وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:"ثلاثة لا يقبل الله صلاتهم: من أم قوماً وهم له كارهون، ومن استعبد محررة، ومن لا يأتي الصلاة إلا دباراً"، ومعنى الدبار أن يؤخر حتى يفوت ثم يأتي.
قال الإمام أبو سليمان رحمه الله: هذا إذا اتخذه عادة حتى يكون حضوره الصلاة بعد فراغ الناس وانصرافهم عنها، واستعباد المحرر من وجهين: أحدهما: أن يعتقه ثم يكتم عتقه أو ينكره، والثاني: أن يستخدمه كرهاً بعد العتق، قال: وهذا الوعيد في الرجل الذي ليس من أهل الإمامة فينقلب عليها حتى يكره الناس إمامته، ولو كان مستحقاً للإمامة فالوعيد على من كرهه دونه، وشكا رجل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه يصلي بقوم وهم له كارهون، فقال له: إنك لخروط يريا أنك متعسف في فعلك، ولم يزده على ذلك. وقال بعض أصحابنا بخراسان:[٦ ب/٣] هذا إذا لم ينصبه الإمام فإن نصبه الإمام لا يبالي فالكراهة من القوم، وقيل أراد الشافعي رحمه الله وأكره أن يتولى قوماً وهم له كارهون ولاية الحكم دون ولاية الصلاة.
فرع
إذا صلى الإمام على مكان مرتفع عن الناس، مثل أن يصلي على دكة أو سرير أو منبر نظر، فإن كان بالناس حاجة إلى تعلم الصلاة منه أحببنا له ما فعل، وإن لم يكن فالمستحب أن يكونوا على مستو من الأرض لا يعلو بعضهم على بعض.
وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صلى على المنبر بالناس إعلاماً للناس، فكلما أراد السجود رجع قهقرى وسجد على الأرض، ثم عاد إليه، ثم قال بعد الفراغ: صلوا كما رأيتموني أصلي" وروي أنه قال: "إنما فعلت ذلك لتأتموا بي وتعلموا صلاتي" وقال أبو حنيفة ومالك رحمهما الله: يكره ذلك لما روي أن حذيفة صلى بالناس فوقف على دكان فأخذ ابن مسعود رضي الله عنه ثيابه فجبذه، فلما فرغ من صلاته قال له ابن مسعود: ألم تعلم أنه نهى عن ذلك. فقال: بلى ذكرت حين جبذتني. روى الشافعي أنه