الأولى والثانية تجوز تبعاً لها فيجب تقديم المتبوع، وعلى هذا لو تلبس بالظهر فأفسدها، ثم صلى العصر بعد الزوال لم يجز حتى يصلي الظهر أولاً ثم الحصر، وإن أواد الجمع بينهما في وقت الثانية افتقر إلى شرطين السفر ونية التأخير للظهر إلى وقت العصر، فإن أخرها بغير نية فقد عصى وأثم، وإن سها عنها فصلاها في وقت الحصر كان قافياً، ولا يكون مؤدياً لها في وقت العصر حتى يؤخرها بنية [٧٦ أ / ٣] الجمع وفات الجمع الشرعي، ثم إذا زاد يصليها في وقت العصر لا يحتاج إلى نية أخرى للجمع، لأن كل واحدة منهما يصليها بعد دخول وقتها.
وأما الموالاة والترتيب: فليسا بشرط أما الموالاة: فإن الوقت للقصر فأي وقت أتى بها فيه فقد أتى بها مؤدياً، وأما الترتيب: فإن الظهر إذا تأخرت إلى وقت العصر لم يكن إحداهما تبعاً للأخرى، بل صارت كل واحدة منهما متبوعة غير تابعة والأفضل أن يقدم الظهر.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: هل يلزم الترتيب هاهنا؟ وجهان حتى لو ترك الترتيب كان الظهر قضا، لا أداء، فلا يجوز قصرها إذا قلنا: لا يقصر الفائتة ولا معنى لهذا مع النص الصريح عن الشافعي. وأما وقت نية الجمع فالجمع ضربان: جمع تأخير، وجمع تقديم.
فأما جمع التأخير: فلا بد وأن ينوي تأخير الظهر على ما بيناه، ووقت النية من حين نزول الشمس إلى أن يبقى من الوقت ما يقيم فيه الصلاة فإن فاق الوقت عن هذا كان عاصياً، وهذا على قول أبي إسحاق، فأما على [٧٦ ب / ٣] القول الذي يقول: إذا بقي من الوقت مقدار ما يملي فيه ركعة لا يكون عامياً ولا قاضياً فيجوز أن يؤخر نية الجمع إلى أن يبقى من الوقت هذا القدر.
وأما جمع التقديم: إن نوى قبل أن يحرم بالأولى لا يجوز، وإن نوى بعد السلام من الأولى لا يجوز، وقال المزني رحمه الله: يجوز إذا لم يطل الفصل بين السلام من الأولى والإحرام بالثانية. وقال أبو يعقوب الابيوردي: قد قيل: إن الشافعي رحمه الله نص على هذا في استقبال القبلة فقال: ولو أكمل الظهر، ثم نوى الجمع أو كان فيه أجزأه، وهذا غريب، وقيل: قوله: أكمل الظهر أي: أفعاله سوى السلام، وان نوى مع التحريم بالأولى أجزأه بلا إشكال وإن نوى في أثناء الأولى فيه قولان:
أحدهما: يجوز حتى ينوي عند الإحرام بالأولى: لأن محل النية ذلك الوقت نص عليه في الجمع في المطر.
والثاني: يجوز نص عليه في الجمع في السفر فقال: إذا نوى قبل أن يسلم مع التسليم جاز له الجمع؛ لأن وقت الجمع حين ينفصل عن الأولى ويدخل في الثانية ولا تتأخر النية عن هذا الوقت فجاز [٧٧ أ / ٣] وهذا اختيار أبي إسحاق رحمه الله قال: وهذا أشبه بأصل الشافعي، ويفارق نية القصر تعتبر عند الإحرام لتبتعد صلاته ركعتين.
ومن أصحابنا من قال: قول واحد يجوز ذلك، وما قاله في جمع المطر قصد به أن المطر لا يبيح الجمع بنفسه دون انضمام النية إليه، لأنه ذكر المسألتين في باب واحد