وروى أصحابنا عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "جمع في المدينة بين الظهر والعصر في المطر". ويقول: على مالك كل عذر أباح الجمع بين المغرب والعشاء أباحه بين الظهر والعصر كالسفر، وأما ما ذكره من المشقة لا اعتبار بها، لأن الليلة المقمرة كالنهار ويجوز الجمع فيها عندكم. فإذا تقرر هذا يجوز الجمع بينهما في وقت الأولى منهما بلا خلاف، فإن أراد الجمع بينهما في وقت الثانية منهما. قال في "القديم" و "الإملاء": إن شاء قدم الثانية إلى وقت الأولى، وإن شاء أخر الأولى إلى وقت [٧٨ ب / ٣] الثانية. وبه قال أحمد وقال في "الجديد": في استقبال القبلة لا يؤخر الأولى إلى الثانية للمطر وهو المذهب المشهور، فقد قيل قولان، وقيل: قول واحد لا يجوز إلا في وقت الأولى، لأن المطر ينقطع بغير اختيار فربما ينقطع المطر ولا يؤخذ عند الجمع بخلاف السفر، فإنه لا ينقطع من دون اختياره فلا يتقدم حالة الجمع طاهراً فإذا قلنا: لا يجوز ذلك فلا كلام، وإذا قلنا: يجوز فإن لم ينقطع المطر بينهما، وإن انقطع صلاهما في وقت العصر، لأن وقت العصر قد دخل والظهر عليه فيصليهما معاً. وأما إذا جمع بينهما في وقت الأولى منهما لا يصح إلا بأربع شرائط على ما ذكرنا، فالعذر وجود المطر حين الإحرام بالأولى، فإن أحرم بها والمطر قائم نظر، فإن استدام حتى في غ منهما فلا كلام، وإن انقطع قبل [٧٩ أ / ٣] الفراغ منهما نظر، فإن انقطع بعد أن أحرم الثانية لم يؤثر، لأن الجمع قد صح فإن قيل: قد قلتم إذا دخل في الثانية ثم نوى المقام، أو دخل البلد الذي يريده بطلت صلاته فلم لا يقولون مثله هاهنا؟ قلنا: الفرق هو أن نية المقام والسير إلى بلده بإرادته واختياره، فإذا اختار ذلك لم يكن له الجمع وانقطاع المطر لا يتعلق باختياره وإرادته، فإذا انقطع بعد دخوله في الصلاة لم يضره كما قلنا في وجود الماء في حق المتيمم في الصلاة.
ومن أصحابنا من قال: نص الشافعي رحمه الله على انقطاع المطر بعد الإحرام بالثانية لا تؤثر في صحة الجمع، وعلى قياس هذا ينبغي أن تكون نية الإقامة ودخول البلد الذي يريده مثله، ولا يمنع هذا أيضاً صحة الجمع لأنه إذا جاز الدخول في الصلاة جاز له إتمامها ويفارق هذا إذا دخل في الصلاة بنية القصر، ثم نوى الإقامة فإنه يتمها أربعاً لأنها صلاة واحدة تامة ومقصودة وهاهنا إن لم يجوز له الجمع أبطلنا ما جوزنا له الدخول فيه وذلك لا يجوز فافترقا.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: في كلتا [٧٩ ب / ٣] المسألتين وجهان: وقال هذا القائل: لو نوى الإقامة بعد الفراغ من العصر أو انقطع المطر في هذه الحالة فعلى أحد الوجهين وجهان، وهذا ضعيف، ولو انقطع المطر قبل أن يحرم بالثانية لم يكن له الجمع.