"الأم ": لأنه تلزمهم الجمعة فتنعقد بهم كالمستوطنين. وقال ابو إسحاق رحمه الله: لا تنعقد بهم: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حضر بعرفة فوافق الجمعة فلم يجمع لأهل مكة، وكانوا مقيمين غير مستوطنين، فعلى قول أبي إسحاق الناس على أربعة أضرب، وعلى قول ابن أبي هريرة: الناس على ثلاثة أضرب.
وحكي أن الشافعي، ومحمد بن الحسن اجتمعا عند الرشيد رحمهم الله فسأل الرشيد محمد بن الحسن عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة [٨٥ أ/ ٣] هل كانت جمعة أو ظهرا؟ فقال: جمعة، لأنه خطب قبل الصلاة، ثم سأل الشافعي، فقال: كانت ظهراً لأنه أسر بالقراءة، فقال الرشيد: صدقت. ويروي هذه الحكاية أيضاً عن مالك وأبي يوسف فإذا ثبت هذا فالناس في وجوب الجمعة على ضربين:
ضرب في البلد والمصر، وهو من أهل الجمعة فتجب عليه الجمعة سواء سمع النداء أو لم يسمع؛ لأنه ما من موضع من البلد إلا وهو محل النداء. وأما علة الشافعي رحمه الله؛ لأن الجمعة تجب على أهل المصر الجامع، يريد به أن الله تعالى وإن علق وجوبها بسماع النداء في الآية فليس السماع في أهل المصر شرطاً في الوجوب، وإنما الخلاف في الخارج من المصر، واستنكر الإمام القفال هذا العطف الذي في المختصر حيث قال: وتجب الجمعة على أهل المصر، وان كثر أهله حتى لا يسمع أكثرهم النداء؛ لأن الجمعة تجب على أهل المصر الجامع وعلى من كان خارجاً من المصر إذا سمع النداء، وقال: كيف يجوز التعليل لوجوب الجمعة على أهل المصر بوجوبها على من كان خارج المصر، والمصر أصل والسواد تبع، والجواب عن هذا [٨٥ ب/ ٣] أن هذا الكلام هو عطف على المسألة الأولى لا على المسألة وتقدير الكلام أن يقال: وتجب الجمعة على أهل المصر، وان كثر أهله حتى لا يسمح أكثرهم النداء: لأن الجمعة تجب على أهل المصر الجامع سمعوا أذانا أو لم يسمعوا، ثم استأنف الكلام، فقال: وعلى من كان خارجاً من المصر، يعني: تجب الجمعة إذا سمع النداء وهذا ذكره الشيخ أبو محمد الجويني للشيخ القفال رحمهما الله فرضيه واستحسنه.
وضرب يستوطن خارج المصر من أهل القرى وهم على ثلاثة أضرب:
ضرب يلزمهم إقامة الجمعة في موضعهم بأنفسهم، وهو أن يكونوا أربعين رجلاً على الشرائط التي ذكرناها، وهم مستوطنين في قرية مجتمعة البناء والمنازل لا يظعنون عنها شتاءً ولا صيفاً فيقيمون الجمعة في موضعهم سواء كان قريباً من المصر أو بعيداً، فإن تركوا إقامتها في موضعهم وحضروا المصر وصلوها فيه فقد أساؤوا وأجزأتهم صلاتهم، وبه قال عمر وابن عباس، وعمر بن عبد العزيز ومالك وأحمد وإسحاق رضي الله عنهم.
وقال أبو حنيفة والثوري رحمهما انه: لا تجوز إقامة الجمعة في القرى أصلا وإنما تقام [٨٦ أ/ ٣] في مصر فيه إمام وقاض وسوق. واحتجوا بما روى علي بن أبي طالب