الصلاة والإمام راكع، فإذا قلنا: يتبع فركع مع إمامه، فقد صار مواليا بين الركوعين فهل يحتسب بالركوع الأول أم بالركوع التاني؟ قال أبو إسحاق رحمه الله فيه قولان: أحدهما: يحتسب له بالركوع الثاني: لأن الركوع الأول لم يعقبه السجود، وإنما السجود يعقب الركوع الثاني فكان أولى بالاحتساب به، ولأنا أمرناه [٩٩ ب / ٣] بهذا الركوع مع علمنا بالركوع الذي قبله فوجب أن يكون محسوباً له. والثاني: يحتسب له بالركوع الأول وهذا أقيس القولين وأصحهما، لأن الأول قد صح فلا يلغو بترك ما بعده، كما لو ركع ونسي السجود وقام وقرأ وركع ثم سجد كان السجود مضافاً إلى الركوع الأول كذلك هاهنا.
وأما قول الشافعي رحمه الله: فيركع معه في الثانية، وسيقط الأخرى يحتمل أنه أراد وتسقط الأولى، لأنه إذا كان في ذكر الثانية فالأخرى أولى، ويحتمل أنه أراد وتسقط الثانية لأنها هي الأخرى في الحقيقة. فإذا قلنا: يحتسب بالركوع الثاني فإنه يحصل له الركعة الثانية ويلغي الركعة الأولى ويكون مدركاً للجمعة قولاً واحداً، فإذا سلم أتى بركعة ويتشهد ويسلم. وإذا قلنا: يحتسب بالركوع الأول فقد حصلت له ركعة ملفقة، لأن القيام والقراءة والركوع يحصل من الركعة الأولى ويحصل السجود من الركعة الثانية، فهل يكون مدركا للجمعة على ما ذكرنا، فإذا تقرر هذا فإن قلنا: يركع مع الإمام ويتابعه فخالف واشتغل بالسجود فلا يخلو من ثلاثة أحوال؛ فإن كان جاهلاً به لا تبطل صلاته بما فعله. فإذا [١٠٠ أ/ ٣] فرغ من السجود، فإن أدرك الإمام راكعا بعد فإن كان قد طوله فإنه يركع معه، وهل يحتسب بالركوع الأول أم الثاني؟ قولان على ما بيناه، ويكون الحكم فيه كما لو تابع، ولم يخالف حرفا بحرف ويلغي ما فعله بالجهل، وإن أدركه ساجداً يتبعه في السجود ويكون السجود المعتد به هو الباقي الذي عمله مع الإمام دون ما انفرد به، وتحصل له ملفقة، وهل يكون مدركاً للجمعة بها على ما بيناه، وإن أدركه جالساً في التشتهد فإنه يتبعه فيه ولا يكون مدكاً للجمعة، لأنه أدرك معه أقل من ركعة، وهل يبني الظهر عليها أم يستأنف؟ على ما ذكرنا، وإن كان علم أن عليه إتباع الإمام إلا أنه اشتغل بالسجود ونوى مفارقة الإمام وهو الحالة الثانية هل تبطل صلاته؟ يبنى على القولين فيمن أخرج نفسه من صلاة الإمام من غير عذر، فإن قلنا: تبطل صلاته فهاهنا تبطل أيضاً، وإن قلنا: لا تبطل فهاهنا هل تبطل؟ وجهان مبنيان على قولين فيمن صلى الظهر قبل فراغ الإمام من الجمعة.
قال أبو إسحاق رحمه الله: ومن أصحابنا من قال هاهنا لا تبطل قولاً واحداً، لأنه لما قصد بإخراج نفسه من صلاته قضى ما عليه [١٠٠ ب / ٣] من السجود، وتكميله صار في معنى المعذور، وصار بمنزلة المكبر بالظهر وهو مريض قبل صلاة الإمام، ثم صح من مرضه في صلاته فلا يفسد عليه، وإن كان مصليا في حال يصلي الإمام الجمعة. وهذا غلط؛ لأن هذا التخريج إنما يصح إذا كان جاهلاً وهو القسم الأول، وكلامنا إذا تعمد إخراج نفسه من صلاته، وهو يعلم أن عليه إتباعه فلا يشبه هذا ما أورده من