وقال ابن أبي هريرة: يجوز له ترك الجمعة، لأن قلبه يتعلق بمفارقته وان لم يكن له قيم سواه، فلا شك أنه يجوز له تركها، لأن حفظ المسلم أولى من صلاة الجمعة، وإن كان الرجل أجنبياً منه فلا يجوز له ترك الجمعة إلا بشرطين: أحدهما: أن يكون منزولاً به. والثاني: أن يكون ضائعاً لا قيم [١١٥ أ/ ٣] له غيره بخلاف القريب، لأن شغل القلب هناك خلافه هنا، وإن كان له قيم إلا أنه مشغول عنه في وقت الجمعة يكون ذلك بمنزلة من لا قيم له.
مسألة: قال: ومن طلع عليه الفجر فلا يسافر حتى يصليها.
وهذا كما قال: السفر ليلة الجمعة جائز ما لم يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر. فالمستحب أن لا ينشأ السفر، لأن الشافعي رحمه الله قال في "الأم": لا أحب في الاختيار أن يسافر بعد طلوع الفجر وإن استحب الترك. وقال: بعده لم يكن له أن يسافر بعد الفجر يوم الجمعة. وظاهره أنه لا يجوز ذلك، وقال في "القديم": له أن يسافر لأن الفرض يلزم بدخول الوقت، وهذا نصر في حرملة فحصل قولان:
أحدهما: يجوز ما لم تنزل الشمس. قال أبو إسحاق رحمه الله: وهذا أوضح وبه قال عمر والزبير وأبو عبيدة بن الجراح والحسن وابن سيرين وأبو حنيفة ومالك رضي الله عنه، واحتجوا بما روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجه زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن وواحة في جيش مؤتة، فتخلف [١١٥ ب/٣] عبد الله بن رواحة فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما خلفك؟ فقال: الجمعة، فقال:"لروحة في سبيل الله أو غدوة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها". قال: فراح منطلقاً. وروي أنه قال له:"لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما أدركت غزوتهم" وروي عن عمر رضي الله عنه قال: إن الجمعة لا تحبس مسافراً.
والقول الثاني: وهو اختيار أبي حامد، وهو ظاهر المذهب أنه لا يجوز له ذلك، وبه قالت عائشة وابن عمر رضي الله عنه وأحمد رحمه الله: إلا أن يكون السفر إلى الجهاد، وهذا لأن الجمعة واجبة والتسبب إليها واجب، فإذا لم يجز السفر بعد وجوبها لا يجوز بعد وجوب السبب إليها؛ ولأنه وقت الرواح إلى الجمعة وقد يجب ذلك على من بعدت داره: وأما الخبر الذي ذكر وقلنا: إنه يحتمل أنه كان بعثه قبل يوم الجمعة فتأخر لأجل الجمعة. وأما خبر عمر رضي الله عنه قلنا: قاله للمسافرين ونحن نقول: لا تجب الجمعة عليه. وقال بعض أصحابنا بخراسان: يجوز ذلك إذا كان سفره في طاعة قولاً واحداً كما لو كان جهاداً، وهذا لا يصح [١١٦ أ/ ٣] لأن الطاعة التي لا