والنبي - صلى الله عليه وسلم - قائم على المنبر يوم الجمعة، فقال: متى الساعة؟ فأشار إليه الناس أن اسكت فلم يقبل فأعاد، ثم أعاد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الثالثة:"ما أعددت لها" قال: حب الله ورسوله قال: "إنك مع من أحببت " وأما خبرهم فلا حجة فيه؟ لأنه جعله لاغياً بكلامه في موضع الأدب وفيه السكوت وليس كل لغواً إنما قال الله تعالى:{لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٥. فإذا تقرر هذا فلا فرق بين القريب والبعيد والأصم والسميع؛ لأن الشافعي قال في "الأم" ومن بعد عن الإمام ولا يسمع الخطبة ومن قرب منه في الإنصات سواء، فإذا قلنا: إنه مستحب فهو مستحب للجميع.
وأما الخطبة فاعلم أنه لا تصح الجمعة إلا بالخطبة، ويجب أن يخطب قائما خطبتين يفصل بينهما بجلسة خفيفة، ولا يجوز أن يخطب مع القدرة إلا قائما، وقال الحسن البصري رحمه الله: الخطبة مستحبة غير واجبة، وهذا غلط لقوله تعالى:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الجمعة:٩]. والذكر: هو الخطبة وإذا وجب السعي إليها [١٢٢ ب / ٣] كانت واجبة، ولأن الله تعالى أوجب الجمعة إيجاباً مجملا وبيانه مأخوذ من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو كان يصلي ويخطب فثبت أنها واجبة، ولأن الخطبتين أقيمتا مقام ركعتين، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما قصرت الصلاة لأجل الخطبة، وقال سعيد بن جبير رحمه لله: جعلت الخطبتان مقام مكان الركعتين، وقال أبو حنيفة وأحمد: لا يجب فيهما القيام وتجوز قاعداً، لأنها ركن ليس من شرطه استقبال القبلة فلا يجب له القيام كالأذان، وهذا غلط لما روي أن النبي الله كان يخطب قائما خطبتين يفصل بينهما بجلوس. رواه جابر، وابن عمر، وأبو هريرة رضي الله عنهم، ولأنها ذكر مفروض في قيام مشروع فكان واجباً كما في التكبير ولا يعتبر القيام بالاستقبال لأن الاستقبال يسقط في صلاة الخوف، ولا تسقط القبلة عند الإمكان فافترقا، فإذا تقرر هذا، فإن خطب جالساً مع القدرة وصلى بطلت صلاته، ولو خطب جالساً وهم يرونه صحيحاً فأخبرهم أني عاجز عنه قبلوا منه، لأنه أمين على نفسه وكذلك [١٢٣ أ/ ٣] في الصلاة، ولو علموا قارته على القيام فلا جمعة لهم، ولو لم يعلموا أنه صحيح أو مريض أجزأتهم الصلاة، لأنه الظاهر أنه لم يترك القيام إلا لعلة، ولو علمت بقدرته على القيام طائفة وجهلت طائفة فلا جمعة لمن علمت، وأما التي جهلت حاله فإن بلغوا أربعين صحت جمعتهم وإلا فلا تصح جمعتهم، وهو كما قلنا إذا كان الإمام جنباً.