الشافعي غير هذا، لأنه قال في "الأم": ولا يكون الصبي إماماً فيها، ولو كان جنباً أو محدثاً فإنه يصح فلا معنى لما ذكر أصحابنا، وأما المرأة فلا يجوز إمامتها للرجال أصلاً ولا تنعقد الجمعة بالنساء المنفردات لحال.
مسألة: قال: ولا يجمع في مصر وان عظم أهله.
الفصل
وهذا كما قال. لا يجوز أن يصلي الجمعة في بلد واحد، وبه قال مالك، وهو ظاهر قول أبي حنيفة وليس له نص صريح في هذا، وقال أبو يوسف: إذا كان للبلد جانبان جاز أن يقام في كل واحد منهما جمعة، وبه قال أبو الطيب بن سلمة: وجاز في بغداد في موضعين، لأن نهر دجلة حائل بينهما، وقال محمد: القياس أنه لا يجوز أكثر من جمعة واحدة، ولكنا نجوزها في اثنين استحسانا [١٤٦ أ/ ٣] ولا فرق في هذا بين الجانب والجانبين. وروي عنه أنه يجوز في ثلاثة، وقال أحمد: إذا كثر أهله كبغداد اد والبصرة جاز أن يقام فيه جمعتان وأكثر، وإن لم يكن بهم حاجة لا يجوز أن تقام إلا جمعة واحدة. وقال داود: يجوز أن يصلوا الجمعة في مساجدهم كما يصلون سائر الصلوات. وهذا غلط؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما جمع إلا في مسجد واحد. وكذلك الخلفاء من بعده، ولو جاز ذلك لم يعطلوا المساجد وكانت إقامتها في موضعين أولى من إقامتها في موضع واحد. وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال:"لا تقام الجمعة إلا في المسجد الأكبر الذي صلى فيه الإمام"، وقال الشافعي رحمة الله عليه:"لو جاز في مسجدين لجاز في مساجد العشائر" يعني: القبائل ولأن الجمعة سميت بهذا الاسم لاجتماع الناس بها فيجب أن لا يفترقوا، واحتج أبو يوسف بأن دجلة تقطع بينهما فصار كالبلدين، واحتج محمد بما روي عن علي رضي الله عنه أنه كان يخرج يصلي العيد في الجبان ويستخلف أبا مسعود [١٤٧ أ/ ٣] البدري فصلى بضعفة الناس وعنده حكم الجبان حكم البلد، والجمعة والعيد. واحتج داود بما روي عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي هريرة رضي الله عنه بالبحرين "أن جمعوا حيث ما كنتم ".
قلنا: أما ما قال أبو يوسف: لا يصح لأنه لو كان كما قاله لوجب إذا عبر المسافر من أحد الجانبين إلا الآخر يجوز له القصر، وأجمعنا أنه لا يقصر حتى يفارق البنيان من الجانبين وهم لا يسلمون هذا ويقولون: إذا عبر يجوز له القصر حين يحصل في الماء، فيقول: الظهر من مصلحة العمارتين فلا يكون حائلاً ولا يجعل كالبلدين، وأما ما قال محمد: عندنا يجوز العيد في كل موضع وللمنفرد أيضا فلا حجة فيه.
وأما خبر عمر رضي الله عنه قلنا: أراد في أي بلد كنتم، واحتج أحمد بالمشقة قلنا: العادة جارية أنه لا يشق على أهل البلد الاجتماع في جامع البلد. وان وجب ذلك فهو مشقة محتملة يسيرة لا اعتبار بها، فإن قيل: أليس دخل الشافعي بغداد وكانوا