في الظاهر فلا يحكم ببطلانهما بالشك. وهذا غلط؛ لأن كل واحدة منهما مشكوك في صحة الإحرام بها؛ فإنها إن كانت هي السابقة صح الإحرام بها وإلا فلا، والصلاة لا تصح إذا دخل فيها بالشك، كما [١٤٩ أ/ ٣] لو شك في ركن الطهارة، ودخل في الصلاة. فإذا تقرر هذا، فكيف يعيد إن علم أنهما وقعتا معاً في حالة واحدة؟ يجب إعادة الجمعة لأنه لم تصح جمعة واحدة من الطائفتين وليست إحداهما بالبطلان أولى من الأخرى فبطلت، كما لو تزوج بأختين معاً بطل نكاحهما وان سبقت إحداهما الأخرى ولم تتعين أو تعينت، ثم أشكلت فهل تجب إعادة الجمعة أم الظهر؟ قولان:
أحدهما: الظهر لأن الجمعة قد أقيمت في هذا اليوم بيقين فلا تقام ثانياً.
والثاني: الجمعة لأنه لم يعتد بما فعلوا فكان وجوده وعدمه سواء.
وقال بعض أصحابنا بالعراق: لا خلاف بين أصحابنا أنه لا يجب إعادة الجمعة، ولكن هل يجوز أن يصلوا الجمعة؟.
قال في "الأم": يجوز وقال الربيع: فيه قول آخر إنه لا يجوز وبنحو هذا ذكر القفال قال: ونظير القولين نظير الوليين إذا أنكحا وعلم أن أحدهما سابق ولم يتعين، ففيه قولان: أحدهما: أن النكاح باطل فعلى هذا تجوز الجمعة هاهنا. والثاني: هو موقوف فعلى هذا يلزم إعادة الظهر هاهنا.
قال [١٤٩ ب/ ٣] القفال رحمه الله: وهذا إذا لم تعرف السابقة. قال القفال: فإذا عرفت السابقة ثم خفيت فلا تجوز جمعة أخرى قولاً واحداً، كما قلنا في نكاح الوليين في هذه الصورة هما باطلان قولاً واحداً، فإن قيل: إذا تعينت ثم أشكلت ينبغي أن يوقف كما قلتم في الوليين إذا أنكحا، وفي الميراث في الغرقى قلنا في الجمعة: إذا وقفنا فقد فات وقتها بخلاف الميراث والنكاح فإن وقتهما لا يؤدي إلى فوات وقتهما فجاز أن يوقفا، وان لم يعلم هل وقعتا في حالة واحدة أو سبقت إحداهما الأخرى فيعيدون الجمعة هاهنا قولاً واحداً؛ لأنا حكمنا ببطلانهما لجواز أن تكون وقعتا في حالة واحدة، فكأنهم لم يصلوا أصلاً هكذا ذكره القاضي الطبري والقفال رحمهما الله.
وقال الشيخ أبو حامد رحمه الله: هذا نظير ما لو عرف العين ثم أشكل فيه قولان: وما تقدم أصح.
وأما القسم الثالث من أقسام الأصل: إذا كان في إحداهما إمام دون الأخرى اختلف قول الشافعي رحمه الله فيه قال في "الأم": السابقة أولى بكل حال وان كان الإمام [١٥٠ ا/ ٣] الذي صلى بهم إماماً حقيقة أو متغلباً أو عزله الإمام فامتنع من العزل وهذا أصح؛ لأن السابقة انعقدت صحيحة فلا تفسد بعقد الثانية. وقال في كتاب العيدين: لو صلى غير الإمام الجمعة في المسجد الأعظم والإمام في مسجد أصغر منه وصلاة الإمام، ومن معه جائزة ويعيد الآخرون.