النهار، وأوله من حين تزول الشمس ويستعمل في الانقلاب من موضع إلى موضع سواء كان في أول النهار، أو في آخره على طريق التوسع، والمجاز كما أن حقيقة الغدو في أول النهار ويستعمل في المضي، والذهاب في أول النهار وآخره على طريق المجاز.
واختلف أصحابنا في الرواح من أي وقت اعتبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنهم من قال: من حين طلوع الفجر الثاني وهو الصحيح، لأنه أول ما يصح فيه غسل الجمعة، وهو أول وقت الرواح وهو ظاهر كلام الشافعي رحمة الله عليه؛ لأنه قال: وكلما قدم التبكير كان أفضل وإنما عبر بالرواح؛ لأنه خرج لأمر يؤتى به [١٥١ ب/ ٣] بعد الزوال، ومنهم من قال: من حين طلوع الشمس؛ لأن أهل الحساب يعدون أول النهار من حين طلوع الشمس.
قال في "الحاوي": وهذا أصح ليكون ما قبل ذلك من طلوع الفجر زمان غسل وتأهب. وقال القفال رحمه الله: أراد بالساعات أزمنة لطيفة لا الساعات التي عند المنجمين لأن النهار في الشتاء يتراجع إلى تسع ساعات، فتكون الساعة الخامسة بتمامها زائدة على نصف النهار، والمراد بذلك كله بعد الزوال، فمعنى الخبر من راح إلى الجمعة بعد الزوال فدخل المسجد أولاً فكأنما قرب بدنة على هذا الترتيب، والدليل على أنه أراد بعد الزوال، لأن الأمر من الله تعالى إنما يتوجه بعد الزوال لا قبله، ويستحيل أن يكون أعظم الثواب في وقت لم يتوجه فيه الأمر، وأقل الثواب في وقت توجه فيه الأمر. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "لن يتقرب المتقربون إلى الله تعالى بأعظم من أداء فريضة " وهذا كله إذا كانت الدار قريبة من المسجد.
فأما إذا كانت الدار بعيدة من المسجد فالواجب أن يتهيأ للقصد في وقت يتيقن الإدراك، وقال أيضاً: الدرجات غير مقصورة على الخمس لا غير [١٥٢ أ/ ٣] حتى لو جاء خمسة نفر وللخامس أجر من قرب بيضة فللسادس ومن بعده أقل من ذلك، ولكن السادس مع الخامس كالمهدي بقرة مع المهدي شاة وعلى هذا. والمقصود بيان تفاوت الدرجات لا غير، وهذا أحسن، ولكنه خلاف ظاهر قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقول الشافعي رحمه الله، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يسمعون الذكر" يدل على أنه لا فضيلة لمن جاء بعده كما روي في خبر آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس على منازلهم الأول فالأول، فإذا خرج الإمام طووا الصحف وحضروا يسمعون الدكر". فمن جاء بعد ذلك جاء بفرض"، وأراد بقوله: قرب بدنة، أي: ثوابه كثواب من تقرب إلى الله تعالى ببدنة أو بيضة، وجعلها قرباناً وتقرباً إلى الله تعالى.
وروي عن علقمة رضي الله عنه أنه قال: "حضرت وعبد الله بن مسعود الجمعة، وقد