الركوع حتى يفرغ الإمام والباقون من الركعة الأولى، فإذا قاموا إلى الثانية سجد بعد هذا الصف الأول سجدتين، ويلحق الإمام قائماً ويصلي ويقرأ ويركع بالكل أيضاً، فإذا اعتدلوا عن الركوع سجد معه الذين حرسوه في الأولى، ووقف الباقون قائمين أو بعضهم، فإذا فرغ من السجود [١٨٨ أ/ ٣] وجلس للتشهد سجد الباقون ولحقوا به جالساً فيتشهد ويسلم بالكل، هذا هو المختار.
وقال الشافعي رحمه الله: فإن كانت المسألة بحالها: وصلى على ما قلنا: إلا أن الصف الأول تأخر في الركعة الثانية إلى مكان الصف الثاني، وتقام الثاني إلى مكان الأول ليكون من يحرسه أبداً هو الصف الأول فلا بأس، لأن ذلك عمل يسير، ويحصل بعمل قليل فإن يتخلل بين كل رجلين متقدماً أو متأخراً بخطوة أو خطوتين ولو لم يفعل هكذا بل حرس في الثانية من حرس في الأولى. قال في "الأم": رجوت أن يجزيهم ولا إعادة عليهم ولا أعاد ما كان أحب إلي.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: قال الشافعي رحمه الله: هاهنا أحببت له أن يعيد الركعة ثم قال أصحابنا: لا يجوز أن يعيد ركعة دون كل الصلاة فمعناه بطلانها هو حراستها في الركعة الثانية، لأنه ليس لها أن تحرس في الركعتين، بل يجب أن تحرس كل فرقة مرة واحدة وهذا يدل على أن صلاتهم تبطل، وهو قول بعض أصحابنا. ويمكن أن يقال: هذه عبارة عن استحباب إعادة كل الصلاة [١٨٨ ب/ ٣] وعبر عنها بالركعة، والمذهب ما نص في "الأم": لأنه لا تلزمه الإعادة.
وقال القاضي الطبري: إنما قال ذلك لأنه لم يكن لها الحراسة، وفي هذه الركعة الثانية فاستحب الإعادة، وفي هذا نظر عندي: لأن الاستحباب كيف يزاد في ركعات الصلاة فلا وجه إلا ما ذكرت والله أعلم، فإن قيل: لم استحب الشافعي أن يحرس أهل الصف الأول ويسجد مع الإمام أهل الصف الثاني؟ قلنا: كل واحد منهما جائز، وإنما استحب ذلك لأنه أحوط لهم وذلك لأن أهل الصف الأول يصيرون جنة لأهل الصف الثاني إذا سجدوا، فلا يصيبهم من العدو سهم، ولأنهم إذا حرسوا وليس بين أيديهم صف كانت الحراسة أمكن لكونهم أقرب إلى العدو من الصف الثاني؛ ولأن العدو لا يمكنهم الوقوف على عدو من ورائهم من الساجدين فكان أولى، ولو لم يفعل هكذا بل حرس أهل الصف الثاني وسجد أهل الصف الأول يجوز، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرسه أهل الصف الثاني.
وقال الشيخ أبو حامد رحمه الله: السنة المؤدية في هذا ترتيب الشافعي من كل طريق [١٨٩ أ/ ٣]، فإن السنة تدل على أن الصف الثاني هو الذي يحرس أبداً وذلك أن أبا داود رحمه الله روى في سننه بإسناده عن أبي عياش الزرقي رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد رضي الله عنه فصلينا الظهر، فقال المشركون: لقد أصبنا غرة لو حملنا عليهم وهم في الصلاة، فنزلت آية القصر بين الظهر والعصر فلما حضر العصر قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستقبل القبلة والمشركون أمامه فصف خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وركعوا جميعاً، ثم سجد وسجد الصف الذي يلونه وقام الآخرون