فالواجب: كقتال المشركين وهو الأصل في صلاة الخوف، وفيه نزلت الآية وفي معناه قتال أهل البغي لأن الله تعالى قال:{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}[الحجرات: ٩]، وقتال قطاع الطريق: فتجوز صلاة الخوف في كلها.
وأما المباح: فهو الدفع عن حريمه وماله ونفسه، وكذلك عن نفس الغير وماله وحريمه فإن الصحيح من المذهب إن دفع المسلم عن نفسه مباح غير واجب، لأن حميته في قصده الإسلام بخلاف المسلم الظالم. وقد روي عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له:"يكون في آخر الزمان فتن كقطع الليل المظلم، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، فقال رجل: يا رسول الله إن أدركنا هذا الزمان كيف نفعل؟ فقال: "احتمل ذكرك وادخل بيتك"، قال: يا رسول الله [أفرأيت إن] دخل علي بيتي قال: إن أفرقك شعاع السيف فاجعل طوف ثوبك على رأسك ولتكن عبد الله المقتول [١٩٢ أ/ ٣] ولا تكن عبد الله القاتل"،وروي "اتخذ سيفاً من خشب"، فتجوز صلاة الخوف في هذا القتال أيضاً؛ لأن كل رخصة تعلقت بالأمر الواجب فعلقت بالمباح كالقصر في السفر.
قال صاحب "التلخيص": إذا قاتل في الدفع عن ماله هل يجوز له أن يصلي صلاة شدة الخوف؟ قولان:
أحدهما: لا يجوز نص عليه في "الجامع الكبير"، وفي "الإملاء"؛لأن الدفع عنه غير واجب بل هو مباح.
والثاني: يجوز وقال القفال رحمه الله: نص الشافعي رحمة الله عليه على قولين فيمن غشيه سيل فوجد ملجأ لنفسه دون ظهره وماله، هل له أن يهرب ويصلي صلاة شدة الخوف في هربه؟ والأصح له ذلك لأن في الدفع المباح يجوز القتال، وإن أتى على نفسه كما في النفس سواء فلا فرق.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: إن كان ماله ذا روح فعلى وجهين، وإن لم يكن ذا روح فهو مرتب على ذلك، وهو بناء على أن له أن يقتل في الدفع عن المال أم لا؟ فيه وجهان، والأصح له ذلك، وفي هذا نظر والاعتماد على ما سبق، وقد أدخل الشافعي حجة كلامه في خلال الفصل، وهو قوله: من قتل دون ماله فهو شهيد [١٩٢ ب/ ٣] على أن له صلاة الخوف في الدفع عن المال وهذا من فصيح الكلام أن يذكر المسألة، ثم الحجة ثم الجواب.
وأما المحظور: فهو القتال لقطع الطريق أو المعصية، أو لمنع الحق، أو أي وجه من وجوه الظلم فليس له أن يصلي صلاة شدة الخوف في هذا القتال، وإن فعل يلزمه الإعادة لأن الرخصة لا تكون لعاص، ولو انهزم قوم من المسلمين وصلوا في حال انهزامهم صلاة شدة الخوف، فإن كان ذلك ليتحولوا من جهة إلى جهة أخرى ليتمكنوا