للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زاد على هذا فلا بأس، ويستحب أن يأتي بهذا الاستغفار في الخطبة الثانية ثم إذا بلغ إلى هذا المكان في الخطبة الثانية حول وجهه إلى القبلة، وهو على المنبر وظهره إلى الناس، فإن كان عليه طيلسان مقور وهو الذي نسخ مقوراً حوله ولم يقلبه؛ لأن تقليبه لا يمكن، وتحويله هو أن يجعل ما على عاتقه الأيمن على الأيسر وما على عانقه الأيسر علي الأيمن. وقيل: ويجعل باطنه ظاهراً وظاهره باطناً ولو كان رداء مربعاً فإنه يحول قولاً واحداً، وهل ينكسه فيجعل الأعلى على الأسفل والأسفل على الأعلى؟.

قال في "القديم": لا ينكسه؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكس، وقال في "الجديد": ينكسه وهو الصحيح، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد التنكيس فثقلت عليه فترك، فإذا أمكن ما أراد يكون مستحباً فإن ثقل عليه حوله، ولم ينكسه كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويفعل المأموم مثل هذا وهو جالس والفائدة في قلب الرداء وتنكسه التفاؤل، وهو أن ينتفل من جدب إلى [٢٥٣ أ/٣] خصب.

وقال أبو حنيفة: لا يستحب التحويل، لأنه دعاء فلا يستحب فيه تغيير الثياب. وحكي الطحاوي عن أبي يوسف أنه قال: يحول الإمام رداءه دون المأمومين، وروي مثله عن محمد وعروة وسعيد بن المسيب والثوري وهذا غلط، لما روي في خبر عبد الله بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "استقبل القبلة وحول رداءه، وجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن، ثم دعا الله". وأصل العطاف الرداء وانما أضاف الانعطاف إلى الرداء، لأنه أراد أحد شقي العطاف الذي عن يمينه وعن شماله.

وقال أحمد: يجعل اليمين على الشمال والمال على اليمين، وعن مالك قريب منه، ثم إذا فعل ذلك يدعو لهم مستقبل القبلة سراً فيقول: "اللهم أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك فقد دعوناك كما أمرتنا فأجبنا كما وعدتنا، اللهم إن كنت أوجبت إجابتك لأهل طاعتك وكنا قد فارقنا، أي أذنبنا وأجرمنا ما خالفنا فيه الذين محضوا طاعتك، فامنن علينا بمغفرتك وإجابتك في سقياك، أو يقول: اللهم فامنن [٢٥٣ ب/٣] علينا بمغفرة ما فارقنا وإجابتك في سقيانا، وسعة رزقنا ويدعو بعد هذا بما شاء من أمر الدنيا والآخرة" ويدعو الناس معه سراً أيضاً في هذه الحالة، ثم يقبل على الناس بوجهه ويحضهم على طاعته ويأمرهم بالخير ويملي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ويقرأ آية أو أكثر ويقول: أستغفر الله لي ولكم، ثم ينزل.

فإن قيل: قلتم في الخطبة الثانية: إنه يدعو سراً. ويدعو الناس معه سراً، وفي الخطبة الأولى: لا يأمرون الناس بالدعاء، قلنا: لأن في الخطبة الأولى يجهر بالدعاء فيؤمنون هم وفي الثانية يسر هو بالدعاء فلا يسمعون دعاءه فلا بأس أن يوافقوه في الدعاء سراً، وإنما أمرناه أن يسر لهذا الدعاء ليجمع بين الإسرار والجهر في الدعاء، ويكون أقرب إلى الإجابة قال الله تعالى في قصة نوح عليه السلام {ثُمَّ إنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وأَسْرَرْتُ لَهُمْ إسْرَارًا (٩)} [نوح:٥] وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وخُفْيَةً} [الأعراف: ٢٥٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>