روى الشافعي في "الأم " عن مالك عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن زيد بن خالد الجهني قال:"صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: قال الله تعالى: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله وبرحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا [٢٦٠ أ/ ٣] وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب".
قال الشافعي: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي وأمي عربي واسع اللسان يحتمل قوله هذا معان وإنما قال هذا؛ لأنهم مطروا بين ظهراني قوم أكثرهم مشركون، وكان هذا في غزوة الحديبية، ومعناه أن من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك إيمان بالله تعالى، ولأنه يعلم أنه لا يمطر ولا يعطي إلا الله تعالى، ومن قال: مطرنا بنوء كذا على ما كان بعض أهل الشرك، يعتقد من إضافة المطر إلى أنه أمطره نوء كذا، فذلك كفر كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن النوء هو وقت، والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئاً، ومن قال: مطرنا بنوء كذا أي وقت نوء كذا فإنما ذلك لقولهم: مطرنا في شهر كذا فلا يكون كفراً وغيره من الكلام أحب إليّ منه وأحب أن يقول: مطرنا في وقت كذا.
وقيل الأنواء: هي منازل القمر ثمانية وعشرون منزلاً تطلع كل ثلاثة عشر يوماً، فتنزل بالمشرف فإذا طلح غاب رقيبه من المغرب فسميت أنواء لهذا المعنى يقال: ناء إذا طلح وناء إذا غرب [٢٦٠ ب/٣] فهو من الأضداد، وقد أجرى الله تعالى العادة بالمطر عند طلوع كل نجم منها، كما أجرى العادة بالحر في الصيف والبرد في الشتاء، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "يوم الجمعة على المنبر: كم بقي من نوء الثريا؟ فقال العباس رضي الله عنه لم يبق منه شيء إلا العراء فدعا الناس حتى نزل عن المنبر فمطرت مطراً أحيا الناس منه فاستجازوا، هذا القول والعراء في أحد المنازل فدل أنه لا بأس به على معنى ما ذكرنا، قال: وبلغني عن بعض أصحاب رسول الله رضي الله عنه أنه كان إذا أصبح وقد مطر الناس قال: مطرنا بنوء الفتح ثم يقرأ: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا}[فاطر:٢].
فرع
اعلم أن الرياح المعروفة هي أربع: الشمال، والجنوب، والقبول، والدبور،