والثاني: يجب غسله وهو اختيار كثيرون من أصحابنا، فعلى هذا المستحب أن ينل في قميص ويكون موضع غسله مظلماً ويتولى غسله أوثق من يقدر عليه من الرجال والنساء، قال هذا القائل ولو جاز أن يمتنع هذا الإشكال لامتنع التيمم أيضاً، لأن ذراعي المرأة عورة ولأن الوجه والكف ليسا بعورة في جواز النظر، ولكنها عورة في المباشرة وتحرم مباشرتهما كسائر الجسد، فإذا تساويا فالغسل أولى. وقال بعض أصحابنا: يشتري له جارية من ماله، وإن لم يكن له مال فمن مال بيت المال فتغسله الجارية وقال [٢٨٦ ب / ٣]. الشيخ أبو زيد المروزي هذا خطأ؛ لأن الرجل لا تغسله جاريته إذا مات فكيف تغسله الجارية التي تشترى بعد موته؟، قال: وينبغي أن يقال: يغسله إما رجل أو امرأة أيهما كان، لأنه قد ثبت إن قبل البلوغ لو احتيج إلى غسله حياً أو ميتاً، فأي هذين غسله جاز، فيستحب ذلك الأصل، وإنما يؤخذ من أمر الخنثى المشكل باليقين، ولهذا لو مس أحد فرجيه فلا وضوء، وإن غطى وجهه أو رأسه في الإحرام فلا فدية عليه حتى يغطيهما معاً.
مسألة: قال: ويغسل الرجل امرأته والمرأة زوجها.
وهذا كما قال: لا خلاف أن المرأة تغل زوجها، لأن أسما، بنت عميس - رضي الله عنها - "غسلت زوجها أبا بكر رضي الله عنه لوصيته"، ولأن الزوجية باقية من التوارث والعدة فكان لها غسله، وروي عن أحمد أنها لا تغسله والرواية الصحيحة عنه خلافه، واحتج الشافعي على هذا بقول عائشة - رضي الله عنها - لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا نساؤه": وإنما قالت ذلك لأنها ظنت أن أبا بكر الصديق هو الذي غسل رسول الله [٢٨٧ أ / ٣]- صلى الله عليه وسلم - فلما أخبرت أن علياً وغيره غسلاه ذكرت هذا متحسرة.
وأما الزوجة إذا ماتت، هل يغسلها زوجها؟ وبه قال علي رضي الله عنه: وهو مذهب حماد وعطاء وجابر بن الشعثاء، ومالك وإسحاق وزفر وأحمد في أصح الروايتين. وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي: لا يجوز له أن يغسلها وهذا غلط لما روته عائشة رضي الله عنها قالت: رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البقيع، فوجدني وأنا أجد صداعاً وأقول وارأساه فقال: بل أنا يا عائشة وارأساه، ثم قال: ما ضرك لو مت قبلي لغسلتك ولكفنتك وصليت عليك ودفنتك". وروي أن فاطمة _ رضي الله عنها _ ومسته أن تغسلها أسماء بنت عميس فكان علي ورضي الله عنه يصب الماء عليها". وقالت عائشة: توفيت فاطمة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بستة أشهر فغسلها علي رضي الله عنه