للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما نحن فيه من هذا الباب فإن لفظ (استوى) لم تستعمله العرب في خصوص جلوس الآدمي [-مثلًا- على سريره حقيقة، حتى يصير في غيره مجازًا، كما أن لفظ (العلم) لم تستعمله العرب في خصوص] (١) العرض القائم بقلب البشر المنقسم إلى ضروري ونظري حقيقة، واستعملته (٢) في غيره مجازًا، بل هذا المعنى تارة يستعمل بلا تعدية، كما في قوله -تعالى-: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} (٣)، وتارة يعلى بحرف الغاية، كقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} (٤) وتارة يعلى بحرف الاستعلاء. ثم هذا تارة يكون صفة لله، وتارة يكون صفة لخلقه، فلا يجب أن يجعل في أحد الموضعين حقيقة، وفي الآخر مجازًا.

ولا يجوز أن يفهم من استواء الله -تعالى- الخاصية التي تثبت للمخلوق دون الخالق، كما في قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} (٥)، وقوله تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} (٦)، وقوله تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} (٧)، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} (٨)، {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ} (٩).

فهل يستحل مسلم أن يثبت لربه خاصية الآدمي الباني الصانع العامل الكاتب؟ أم يستحل أن ينفي (١٠) عنه حقيقة العمل والبناء كما يختص به


(١) ما بين المعقوفتين كرر في: س، ط.
(٢) في س: استعمله.
(٣) سورة القصص، الآية: ١٤.
(٤) سورة البقرة، الآية: ٢٩.
(٥) سورة الذاريات، الآية: ٤٧.
(٦) سورة يس، الآية: ٧١.
في س، ط: سقطت من الآية كلمة (أنعامًا).
(٧) سورة النمل، الآية: ٨٨.
(٨) سورة الأنبياء، الآية: ١٠٥.
(٩) سورة الأعراف، الآية: ١٤٥.
(١٠) في س: ينبغي.

<<  <  ج: ص:  >  >>