للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبعث بهم إسحاق إلى المأمون بالرقة (١)، فامتحنهم بخلق القرآن، فأجابوه إلى ذلك، وأظهروا موافقته وهم كارهون، فردهم إلى بغداد، وأمر بإشهار ذلك بين الفقهاء، وقد فعل نائبه ونفذ أمره (٢).

ثم كتب المأمون إلى إسحاق -أيضًا- بكتاب ثان (٣) يستدل به -كما يقول ابن كثير- على القول بخلق القرآن بشبه من الدلائل لا تحقيق تحتها ولا حاصل لها، بل هي من المتشابه، وأورد من القرآن آيات هي حجّة عليه، وأمر نائبه أن يقرأ الكتاب على الناس، ويدعوهم إليه، وإلى القول بخلق القرآن.

فأحضر إسحاق جماعة من الأئمة منهم الإمام أحمد بن حنبل (٤) -رحمه الله- وقرأ عليهم الكتاب، ثم بدأ يمتحنهم رجلًا رجلًا، إلى أن وصلت النوبة إلى الإمام أحمد:

فقال له: أتقول أن القرآن مخلوق؟

فقال: القرآن كلام الله لا أزيد على هذا.

فقال له: ما تقول في هذه الرقعة (٥)؟

فقال: أقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (٦).

فقال رجل من المعتزلة (٧): إنه يقول: سميع بأذن، بصير بعين.


(١) الرقة: مدينة مشهورة على الفرات من الجانب الشرقي بالعراق.
انظر: معجم البلدان -للحموي- ٣/ ٥٩.
(٢) انظر (بتصرف): محنة الإمام أحمد بن حنبل -لأبي عبد الله حنبل بن إسحاق ص: ٣٤، ٣٥.
والبداية والنهاية -لابن كثير- ١٠/ ٣٠٨، ٣٠٩.
(٣) أورده ابن جرير الطبري في تاريخه ٨/ ٦٣٤ - ٦٣٧.
(٤) ترجمت له مختصرًا في هذا الكتاب- قسم التحقيق.
(٥) هذه الرقعة هي التي وافق عليها بشر بن الوليد الكندي -أحد الممتحنين- من أنه يقال: لا يشبهه شيء من خلقه في معنى من المعاني، ولا وجه من الوجوه.
وكان إسحاق إذا امتنع الرجل من القول بخلق القرآن امتحنه بهذه الرقعة فيقول: نعم، كما قال بشر.
(٦) سورة الشورى. الآية ١١.
(٧) ذكر ابن الأثير في الكامل ٦/ ٤٢٦: أنه ابن البكّاء الأصغر.

<<  <  ج: ص:  >  >>