للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقصوده في حدوث العالم يتم بالأكوان (١)، وهذا إنما هو رد على من يجوز خلوها عن الأكوان، وقد ذكر عن البصريين أنهم لا يخالفونه في ذلك، فاحتج عليهم بحجتين إلزاميتين ليس فيهما حجة علمية: إحداهما (٢): ما سلموه من امتناع الخلو بعد قيام العرض، وسوى بين الحالين، وقال:

إذا جاز أن يخلو قبل قيام العرض عن الضدين جاز بعد ذلك.

فيقال له: إن كانت هذه التسوية باطلة ثبت الفرق وبطل قولك، وإن كانت التسوية صحيحة لزم أحد الأمرين: إما جواز الخلو قبل وبعد أو امتناع الخلو قبل وبعد، لا يلزم أحدهما بعينه، وموافقة المنازع لك على امتناع الخلو [بعد] (٣) لا يفيدك أنت علمًا إذا لم يكن لك ولا له


(١) أقول: وشيخ الإسلام -رحمه الله- أوضح في كتابه "درء تعارض العقل والنقل" أن إثبات الأكوان بقبول الحركة والسكون هو الذي لا يمكن دفعه، لأن الجسم الباقي لا بد له من الحركة أو السكون.
وأما الاجتماع أو الافتراق فهو مبني على إثبات الجوهر الفرد، ثم أوضح أن النزاع فيه كثير مشهور. فمن رام الوقوف عليه فليراجع ٢/ ١٩١.
(٢) وهي إحدى النكتتين اللتين تمسك بهما الجويني في الرد على المعتزلة حيث استشهد بالإجماع على امتناع العرو عن الأعراض بعد الاتصاف بها.
وقد بين شيخ الإسلام -رحمه الله- في كتابه "درء تعارض العقل والنقل" ٢/ ١٩٢: "أن مضمون هذا أنه قاس ما بعد الاتصاف على ما قبله، وقد أجابه المنازعون عن هذا بأن الفرق بينهما: أن الضد لا يزول إلا بطريان ضده، فلهذا لم يخل منهما، فإن كان الفرق صحيحًا بطل القياس، وإلا منع الحكم في الأصل وقيل: بل يجوز خلوه بعد الاتصاف إذا أمكن زوال الضد بدون طريان آخر، وما ذكره في السواد والبياض قضية جزئية، فلا تثبت بها دعوى كلية، ومن أين يعلم أن كل طعم في الأجسام إذا زال فلا بد أن يخلفه طعم آخر؟ وكل ريح إذا زالت فلا بد أن يخلفها ريح آخر، وكذلك في الإرادة والكراهة ونحو ذلك. . ".
(٣) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

<<  <  ج: ص:  >  >>