للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موافقتكم على أن الله ليس بداخل العالم ولا خارجه، وأنه ليس فوق العالم، بل ولا على ما نفيتموه من الجسم وملازمه وكذلك المعتزلة وإن كانوا ضالين في مسألة إنكار الرؤية، فمعهم فيها من الظواهر التي تأولوها، والمقاييس التي اعتمدوا عليها أعظم مما معكم في إنكار مباينة الله لمخلوقاته وعلوه على عرشه.

ومن العجب أنكم تقولون: إن محمدًا رأى ربه ليلة المعراج، وهذه مسألة نزاع بين الصحابة (١)، أو تقولون: رآه بعينه، ولم يقل ذلك


(١) هذه المسألة مما اختلف فيها الصحابة -رضي الله عنهم ومن بعدهم- فذهبت طائفة -ومنهم عائشة رضي الله عنها- إلى إنكار رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - لربه ليلة المعراج، وذهب آخرون -ومنهم ابن عباس رضي الله عنهم- إلى إثباتها.
وقد ذكر القاضي عياض في كتابه "الشفا" ١/ ٣٧٥ - ٣٨٨: اختلاف السلف في هذه المسألة، ثم قال في ص: ٣٨٦: ". . ولا مرية في الجواز إذ ليس في الآيات نص في المنع، وأما وجوبه لنبينا - صلى الله عليه وسلم - والقول بأنه رآه بعينه فليس فيه قاطع أيضًا ولا نصّ".
يقول الشيخ -رحمه الله- في الفتاوى ٦/ ٥٠٩، ٥١٠: "وأما الرؤية فالذي ثبت في الصحيح عن ابن عباس أنه قال: رأى محمد ربه بفؤاده مرتين، وعائشة أنكرت الرؤية، فمن الناس من جمع بينهما فقال: عائشة أنكرت رؤية العين، وابن عباس أثبت رؤية الفؤاد.
والألفاظ الثابتة عن ابن عباس هي مطلقة، أو مقيدة بالفؤاد. تارة يقول: رأى محمد ربه، وتارة يقول رآه محمد. ولم يثبت عن ابن عباس لفظ صريح بأنه رآه بعينه. . إلى أن قال: ". . وليس في الأدلة ما يقتضي أنه رآه بعينه ولا ثبت ذلك عن أحد من الصحابة ولا في الكتاب والسنة ما يدل على ذلك، بل النصوص الصحيحة على نفيه أدل كما في صحيح مسلم عن أبي ذر قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل رأيت ربك؟ فقال: "نور أنى أراه؟ ".
ثم ذكر الأدلة من الكتاب والسنة الدالة بمفهومها على نفي الرؤية بالعين. فمن هذا يتضح - والله أعلم - أن الرأي الأمثل في هذه المسألة أن تحمل النصوص الواردة في الإثبات على رؤية القلب والنصوص الواردة في النفي على رؤية البصر وبهذا تأتلف النصوص ويزول الإشكال.

<<  <  ج: ص:  >  >>