للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعقول، وأنتم تنكرون على من يقول: إن الله يتكلم بحروف وأصوات قديمة أزلية، ومعلوم أن ما قلتموه أبعد عن العقل والشرع من هذا، وإن كان العقلاء قد أنكروا هذا -أيضًا- لكن قولكم أشد نكرة، بل قولكم أبعد من قول النصارى الذين يقولون باسم الأب والابن وروح القدس إله واحد، ثم أعجب من هذا أنكم تقولون: إن عبر عنه بالعربية كان هو القرآن، وبالعبرية كان هو التوراة، وبالسريانية كان هو الإنجيل، ومن المعلوم بالاضطرار لكل عاقل أن التوراة إذا عربت لم تكن معانيها معاني القرآن، وإن القرآن إذا ترجم (١) بالعبرية لم تكن معانيه معاني التوراة، ثم إن منكم من جعل ذلك المعنى يسمع ومنكم من قال: لا يسمع، وجعلتم تكليم الله لموسى من جنس الإلهام الذي يلهمه غيره، حيث قلتم: خلق في نفسه لطيفة أدرك بها الكلام القائم بالذات، وقد قال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (١٦٣) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (٢).

ففرق سبحانه بين إيحائه إلى غير موسى، وبين تكليمه لموسى. وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} (٣).

ففرق بين إيحائه، وبين تكليمه من وراء حجاب.


(١) المقصود ترجمة معانيه، لا ترجمة حروفه فهي غير جائزة على ما ذهب إليه أهل العلم. وانظر ما ذكره الشيخ عن ترجمة القرآن في كتابه "نقض المنطق" ص: ٩٧ - ٩٩. والزركشي في "البرهان في علوم القرآن" ١/ ٤٦٥، ٤٦٦.
(٢) سورة النساء، الآيتان: ١٦٣، ١٦٤.
وقد جاء في الأصل: عليك بالحق ورسلًا. وهو خطأ.
(٣) سورة الشورى، الآية: ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>