للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأحاديث متواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بتخصيص موسى بتكليم الله إياه دون إبراهيم وعيسى ونحوهما (١)، وعلى قولكم لا فرق بل قد زعم من زعم من أئمتكم أن الواحد من غير الأنبياء يسمع كلام الله كما سمعه موسى بن عمران، فمن حصل له إلهام في قلبه جعلتموه قد كلمه الله كما كلم موسى بن عمران، ومعلوم أن المعتزلة لم يصلوا في الإلحاد إلى هذا الحد، بل من قال: إن الله خص موسى بأن خلق كلامًا في الهواء سمعه كان أقل بدعة ممن زعم أنه لم يكلمه إلّا بأن أفهمه معنى أراده، بل هذا قريب إلى قول المتفلسفة الذين يقولون: ليس لله كلام إلّا ما في النفوس، وإنه كلم موسى من سماء عقله، لكن يفارقونها بإثبات المعنى القديم القائم بذات الله.

و-أيضًا- فجعلتم ثبوت القرآن في المصاحف مثل ثبوت الله فيها وقلتم: قوله: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} (٢) بمنزلة قوله: {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} (٣)، ومعلوم أن المذكور في التوراة هو اسمه، وأن الله إنما يكتب في المصحف اسمه، فأسماؤه بمنزلة (٤) كلامه، لا أن (٥) ذاته بمنزلة كلامه، والشيء لوجوده أربع (٦) مراتب: وجود في الأعيان، ووجود في الأذهان، ووجود في


(١) كحديث الشفاعة الطويل الذي أخرجه البخاري وغيره.
انظر: صحيح البخاري ٨/ ٢٠٠ - ٢٠٢ - كتاب التوحيد- باب كلام الرب -عزَّ وجلَّ- يوم القيامة. .
(٢) سورة الواقعة، الآية: ٧٧.
(٣) سورة الأعراف، الآية: ١٥٧.
(٤) قبل كلمة "بمنزلة" ذكر في الأصل: "في التوراة هو اسمه". والكلام يستقيم بدونها. والذي يظهر أنه سبق نظر من الناسخ إلى مثيلتها في السطر السابق.
(٥) في الأصل، س: لأن. والمثبت من: ط. ولعله المناسب لسياق الكلام.
(٦) في جميع النسخ: أربعة. وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>