للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحرف الزائد في تصاريف الكلمة كما ثبتت الميم الزائدة في تصاريف كلمة (تمندل) و (تمدرع)، والجوابان كلاهما لا يجعلان هذا التصريف هو الأصل إذا أمكن الحمل على غيره، وإن كانت القراءة تدل على أن الإشباع يقع في غير الضرورة، فإنها لا تجعل الإشباع هو الأصل، وكذلك يقال في ثبوت الزيادة في تصاريف (تمندل) و (تمدرع). هذا وقد بقي الإشكال الثالث لم أجد له جوابًا.

فإذا استقام تصريف الكلمة على وزن (استفعل) فقد بقي إثبات المناسبة في المعنى في (الكون) أو (الكين)، بحيث يناسب معناهما معنى الاستكانة وهي الذل الخضوع.

فأما (الكون) فقد ذكروا في معنى الاستكانة بناء عليه أنها الانتقال من كون إلى كون، كما تقول في استحال أنه انتقل من حال إلى حال (١)، وذكر بعضهم معنى الاستكانة في الآية أنهم ما ضعفوا ولا كانوا قريبًا من ذلك (٢)، وقال بعضهم في معنى استكانوا أنهم طلبوا من أنفسهم أن يكونوا لمن يخضعون له (٣)، وذكروا أن ذلك من قول العرب: كنت لك، إذا خضعت (٤)، ولا تظهر مناسبتها لمعنى الذل والخضوع فالانتقال من كون إلى كون لا يلزم منه ذلك، بل قد يكون الانتقال إلى ما هو أفضل، وقولهم (لم يضعفوا ولا كانوا قريبًا من ذلك) لم يزد على معنى (كان) شيئًا، ولم يدل على معنى الذل والخضوع وإنما دل على ذلك السياق، وكذلك قولهم: (كنت لك)، فإن الكون هنا لم يفد معنى الخضوع، وإنما الذي أفاد ذلك هو تعَدِّيه باللام.

واستشهد بعضهم بالحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر يتعوذ من الحَور بعد الكون (بالنون) (٥)، ومعناه أن يرجع عن الاستقامة بعد ما كان عليها، فالكون هو الحالة التي فيها إنابةٌ وذلٌّ وخضوع (٦)، ولا يظهر من الحديث معنى الذل والخضوع، بل هو أن يكون المرء على حالة حسنة فيتعوذ بالله من العدول عنها، وهو راجع إلى معنى


(١) ينظر في الكشاف للزمخشري (٣/ ١٩٧).
(٢) ينظر في المحرر الوجيز لابن عطية (١/ ٥٢١).
(٣) ينظر في تفسير البيضاوي (٢/ ٤٢).
(٤) ينظر في حاشية (الانتصاف فيما تضمنه الكشاف) لابن المنير الإسكندري (ص: ٧١٢).
(٥) أخرجه مسلم في صحيحه (٢/ ٩٧٩/ ١٣٤٣) عن عبد الله بن سرجس، والمشهور نطقها بالنون؛ كما في تاريخ ابن معين برواية الدوري (٣/ ٥٦٥)، والتمهيد لابن عبد البر (٢٤/ ٣٥٣)، وشرح النووي لمسلم (٩/ ١١١).
(٦) ينظر في روضة المحبين لابن القيم (ص: ٤١).

<<  <   >  >>