للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(كان) مأخوذ من قولهم: كان الرجل كذا وكذا ثم يتحول عن ذلك (١).

وذكر بعضهم في هذه المسألة أن الكون هو الذل، ولم يبين وجهه، ولا يظهر هذا المعنى فيما يذكره أهل اللغة في مادة (كون) (٢).

وأما (الكَين) فإنه في الأصل يدل على باطن الشيء، فيطلق على باطن العين (٣)، ويطلق على باطن فرج المرأة (٤)، وهو المعهود من هذا اللفظ، ونقل بعضهم قولًا بأنه يمكن حمل الاستكانة عليه بالنظر إلى ذُلِّ ذلك الموضع ومهانته (٥)، وهذا بعيد، ولو قيل بأن الكين قد يحتمل الذل على هذا الوجه فإنه ذُلٌّ دنيءٌ في أصله ومذموم، لا يليق أن يحمل عليه الذل المحمود في قوله تعالى: {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ}.

وما ذكره السمين الحلبي من باب (الرجل بِكِيْنَةِ سوء) بكسر الكاف؛ أي: بحالة سوء، فإن هذا في الأصل يرجع إلى مادة (كون)، لكن قُلبت الواو ياءً لأجل كسرة الكاف (٦)، وهو الموافق لمعنى (الكون) فإن الكِينة هي الحالة، وقد يُعبَّر عن الكون بأنه الحالة الماضية، وكذلك قولهم: أكانه يكينه؛ إذا ضعَّفه، فالذي يظهر أنه يرجع إلى ذلك، والتعبير عن معناه بالضعف والخضوع لغة غير مشهورة، "ولو كانت هذه اللغة مشهورة لكانت أحسن الوجوه" (٧).

وبالنظر في معنى السكون يظهر أن مادته أقرب المواد إلى معنى الاستكانة، فإن الخاضع الذليل يغلب عليه السكون وترك الحركة، وقد روي عن ابن عباس في الآية: {وَمَا اسْتَكَانُواْ} أنه قال: "تخشَّعوا" (٨)، والسكون ملازمٌ للخشوع، بل قد يُعبَّر عن الخشوع بأنه


(١) وهذا الذي فهمه رواة الحديث، كما ذكره عنهم الخطابي في غريب الحديث (٢/ ١٩٤).
(٢) ينظر في التبيان لأبي البقاء العكبري (١/ ٣٠٠) وتبعه السمين الحلبي في الدر المصون (٣/ ٤٣٢)، ولم يتبين لي وجهه، والسمين الحلبي قد عبَّر عن (الكون) بـ (كان) في عمدة الحفاظ (٣/ ٤٤٠).
(٣) ينظر في المعجم الاشتقاقي المؤصل (مادة: كين): (٤/ ٢٣٥٦).
(٤) ينظر (مادة: كين) في العين للخليل (٥/ ٤١٢)، وجمهرة اللغة لابن دريد (٢/ ٩٨٥)، ومقاييس اللغة لابن فارس (٥/ ١٥١).
(٥) ينظر في الخصائص لابن جني (٣/ ٣٢٧).
(٦) ينظر في الحجة لأبي علي الفارسي (٦/ ٦٧)، ومقاييس اللغة لابن فارس (مادة: كين): (٥/ ١٥١).
(٧) ذكره الخضر اليزدي في شرح الشافية (١/ ٥٣).
(٨) رواه الطبري في تفسيره (٦/ ١١٩)، وابن المنذر في تفسيره (١/ ٤٢٢)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٣/ ٧٨٢).

<<  <   >  >>