للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهو على تقدير: جاءني أخوك، جاءني زيدٌ، وبهذا يكون المبدل منه في جملة، ويكون البدل في جملةٍ أخرى، ففي المسألة التي نحن فيها المبدلُ منه هو الموصوف، وهو في جملة مستقلة، ثم يكون بعده البدل مع الصفة في جملة أخرى، وبهذا يظهر الفصل التام بين الصفة والموصوف بحيث لا يستقيم إلحاق الصفة بالموصوف، لأن التقدير يكون كالآتي: (أنزل أمَنَة)، (أنزل نعاسًا) تغشى، وهذا لا يستقيم.

هذا على مذهب من يقول إن العامل في البدل يتكرر (١)، وأما المذهب الآخر فليس فيه إلا عاملٌ واحد وليس فيه تقدير جملتين، لكن لا يزال الفصل بين الصفة والموصوف، وبهذا يظهر أنه لا حلَّ لهذا الإشكال.

الإشكال الثاني: أن المعروف في لغة العرب أنْ تُحدِّث عن البدل لا عن المبدل منه، وعلة ذلك كما ذكر السمين الحلبي "أن الاعتماد إنما هو على البدل دون المبدل منه، فإنه في حكم المُطَّرح" (٢).

هذا إشكال معنوي مبني على مفهوم البدل بأنه هو المراد بالحديث وهو المقصود في جعل الخبر عنه، ولذلك أُبدل مما قبله وصار بديلًا عنه، فصار الذي قبله كالمُطَّرح من حيث المعنى، فلا يدور الحديث عنه (٣).

وهذا الإشكال يتجه هنا ابتداءً إلى الأمر الأصلي الذي يراد التحدُّث عنه في الآية وهو الإنزال، فيقال إن المقصود بالإنزال هو النعاس لأنه جاء بديلًا عن الأمَنَة، فصار الحديث عن الإنزال يدور حول النعاس، وصارت الأمَنَة في حكم المُطَّرح فلا يدور الحديث عنها، ثم يبقى الأمر بعد هذا الحديث في الكلام عن الغشيان؛ هل يمكن أن نجعله تابعًا لهذا الحديث ونلحقه به على أن نربطه بالأمَنَة ولا نربطه بالنعاس؟

فالجواب أن ذلك غير ممكن لأن الحديث صار عن النعاس وليس عن الأمَنَة، فإذا أردت التحدُّث عن الأمَنَة فاجعل ذلك في حديث آخر وجملةٍ أخرى مستأنفة غير هذه الجملة التي فيها البدل.

وقد ذكر السمين الحلبي حجة من يخالف مفهوم البدل هذا وذكر الجواب عن حجتهم بما


(١) ينظر تفصيل هذا المذهب في البسيط في شرح جمل الزجاجي لابن أبي الربيع الأشبيلي (ص: ٣٨٧).
(٢) الدر المصون (٢/ ٣٤).
(٣) ينظر في المقاصد الشافية للشاطبي (٥/ ١٩٠).

<<  <   >  >>