يوسف في البلاد، وتسلم الحواصل العاضدية بل الفاطمية بدمها، وما فيها من الأموال، والتحف، والكتب العظيمة التي لم تجد في الأقاليم مثلها، على ما ذكره الشيخ شهاب الدين أبو شامة في الروضتين، قلت كتب الملك صلاح الدين إلى نور الدين الشهيد بما وقع، وبعث بالهدايا العظيمة، والتحف العزيزة، وذلك في سنة سبع وستين، وجرت أمور يطول ذكرها، وابتنى صلاح الدين سور القاهرة ومصر، وبيتا بمباشرة الأمير قراقوش الخادم، ثم لما توفي الملك نور الدين سنة سبع وستين، وترك بعده في المملكة ولده الصالح إسماعيل، وهو صغير ابن
إحدى عشرة سنة، ففسد نظام الدولة بسبب صغر الملك، ودخل في الأمور الأمراء، وأطمعت الفرنج في الأطراف، وركب صلاح الدين إلى دمشق سنة سبعين فأخذها، وأقر حلب بيد ابن نور الدين مع مشارفة الأمور، وأمر ببناء قلعة على جبل المقطم بمصر سنة ست وسبعين، وفي سنة ثمان وسبعين عبر الفرات، وفتح حران، وسروج، والرها، والرقة، والبيرة، وسنجار، ونصيبين، وآمد، وحاصر الموصل، وملك حلب، وتسلم التواريخ، وسهروز، وفي سنة ثلاث وثمانين فتح طبرية، ونازل عسقلان، وكسر فيها الفرنج كسرة عظيمة على حطين، وأخذ صليبهم الأعظم عندهم، وكان الفرنج أربعين ألفا فقتل من نجا منهم، وقتل الرئيس
صاحب الكرك، ولاحق ما سبق منه من السب للجناب النبوي وأوقعه الله في أسر صلاح الدين، وكان قد نذر قتله فأمنكه الله منه وسار، فأخذ بيروت وعكا وقلعة لولب والسواحل.
وسار فأخذ القدس يوم الجمعة، فكان يوما مشهودا عظيما جدًا عمري المعنى، وكان أخذه إياها صلحا بعد قتال ليس بشديد، وكان هذا الفتح من أكبر سعاداته الدنيوية والأخروية،