وصار علما عليه لا يعرف ولا يميز إلا به، ويا حبذا صلاح الدين الذي فتح القدس، ومن فتوحاته أيضًا الكرك، ونابلس، وصيدا، وحصون كثيرة يطول ذكرها، ثم غالب ملة الفرنج على صلاح الدين انتصارا لصليبهم الأصغر، وجاءوا وحاصروا عكا، وجاء صلاح الدين لاستنفاذهم لحصرهم وحصروا، وفر المسلمون وجرت لهم حروب وخطوب يطول ذكرها، وقد أحسن إيرادها الشيخ شهاب الدين في الروضتين، فمكث لذلك قريبًا من ثلاث سنين إلى أن
حبل صبره رحمه الله، ثم استمرت يد الفرنج عليها، ففتحوها في يوم الجمعة، فإنا الله وإنا إليه راجعون.
فرجع صلاح الدين إلى دمشق كئيبا ومرض فقصده من لا خبرة له فلم يستمر في مرضه سوى أربعة أيام حتى مات رحمه الله بعد صلاة الصبح من يوم الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة تسع وثمانين وخمس مائة بقلعة الجبل، وكان يوما عظيما على المسلمين كثر فيه البكاء والعويل والضجيج، وبكى أهل الأقاليم والآفاق حتى بكته الفرنج لحسن وفائه، وصدق عهوده رحمه الله فغسله الدولعي، وأخرج في تابوت، وصلى عليه القاضي فخر الدين ابن المزكي، وأعيد إلى الدار التي في البستان التي كان متمرضا فيها، ودفن في الصفة الغربية منها، ثم ولده الملك الأفضل على صاحب دمشق له قبة شمالي جامع دمشق،
ونقله إليها يوم عاشوراء من سنة ثنتين وتسعين، ومشى بين يدي تابوته، وأراد العلماء حمله، فقال: بل نريد منكم الدعاء، فصلى عليه عند باب السر القاضي فخر الدين أيضًا بإذن ولده السلطان الملك الأفضل، ودخل ولده لحده، وجلس هناك للعزاء ثلاثة أيام.
وكان رحمه الله حسن الخلق كريما شجاعا معظما حسنا عفيفا، توفي وليس في