والإهالة: هي أن يطرح من على شفير القبر التراب بيديه جميعاً، ثم يهال بالمساحي. وأراد أنه يستحب لمن على شفير القبر أن يبرك بالإهالة بيديه ثلاثا، هكذا جاء عن الصحابة أنهم كانوا يفعلونه، حتى روينا عن أنس رضي الله عنه أنه قال: ما نفضنا أيدينا من تراب قبو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى استنكرنا قلوبنا. وإنما أمر بأن يطرح التراب أولا قليلا قليلاً برفق حتى لا يزال إلى الميت، ثم قال: ولا أحب أن يزاد في القبر أكثر من ترابه [٢٩٩ ب / ٣] وفي نسخة أن يرد ومعناهما متقارب وهو ما أشار إليه لئلا يرتفع جداً فيضيق على الناس ولأنه يقال: إن الملائكة يأخذون تراب القبر فإذا زيد فيه غير ترابه يبقى تراب كثير يظن الظان أن الملائكة لم يأخذوا من ترابه فيسئ الظن به.
قال في "الأم": فإذا زادوا على ذلك فلا بأس، وأراد كراهة فيه وإن كان الأولى أن لا يزاد على ترابه، ثم بين كم يستحب أن يشخص عن وجه الأرض، فقال: ويشخص عن وجه الأرض قدر شبر ليعرف أنه قبر إلا أن يكون في داو الحرب فيخفيه بحيث لا يظهر مخافة أن يتعرض له الكفار بعد خروجهم بسوء، ويرش عليه الماء، لما روى جابر أن رسول لله - صلى الله عليه وسلم - "رش على قبر ابنه إبراهيم ووضع عليه من حصباء العرصة"، فيستحب وضع الحصباء الصغار وإنما يفعل هذا لتلتزق الحصباء بالتراب، وتختلط رطوبته فيبقى أثر القبر عليه ويوضح عند رأسه علامة من صخرة منقوشة أو حشيشة حتى لا يشكل، لما روي أن عثمان بن مظعون رضي الله عنه لما مات ودفن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً أن يأتيه بحجر فلم يستطع فقام [٣٠٠ أ / ٣] إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحسر عن ذراعيه، ثم حملها ووضعها عند رأسه، ثم قال:"لأعلم به قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي".
وقال الشافعي في موضع: أكره أن يرفع إلا بقدر ما يعرف أنه قبر لكي لا يوطأ ولا يجلس عليه، وروي أن علياً رضي الله عنه قال لأبي الهياح الأسدي: أبعثك على ما بعثني به النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا تمثالا إلا طمسته. وقيل: لم يرد به التسوية مع الأرض بل أراد أن يسطحه، وقال جابر: ألحد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونصب عليه اللبن نصباً ورفع قبره عن الأرض قدر شبر. وهذا نص فإن قيل: أليس، قال جعفر بن محمد عن أبيه قال: الذي ألحد قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أبو طلحة، والذي ألقى القطيفة تحته شقران، وقال شقران: أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر، وقال ابن عباس: جعل في قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطيفة حمراء، قلنا: لم يكن هذا بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا بمشورة الصحابة ويحتمل تخصصه به.
فرع
قال في "الأم": وإن مات ميت [٣٠٠ ب / ٣] بمكة أو المدينة أحببت أن يدفن في